فيها، ولم يتمكنوا من إنشاء ممالك وحكومات يحكمها حكام يهود، بل كانوا مستقلين في حماية سادات القبائل، يؤدون لهم إتاوة في كل عام مقابل حمايتهم لهم ودفاعهم عنهم ومنع الأعراب من التعدي عليهم. وقد لجئوا إلى عقد المحالفات معهم، فكان لك زعيم يهودي حليف من الأعراب ومن رؤساء العرب المتحضرين.
وقد كان اليهود يخضعون في نظامهم السياسي والاجتماعي لرؤسائهم وساداتهم، يدفعون لهم ما هو مفروض عليهم أداؤه في كل سنة، وهؤلاء السادة هم أصحاب الآطام والحصون والأرض. ولمن يشتغل في الأرض تسديد ما عليه لصاحبها في مقابل استغلاله لها. وقد اعتنوا عناية خاصة بزراعة النخيل. وعرفت القطعة من الأرض المزروعة نخلا عندهم بالصورين" "الصور"١، ولما كانت الأرضون المزروعة واسعة، كانت خارج الآطام والحصون، يحميها حراسها والمشتغلون بها أيام ثمرتها. وأما في أيام الغزو والحروب، فقد كانت معرضة لهجوم المهاجمين. وهذا ما كان يعرض أعظم غلة لليهود للخطر، ولهذا شق عليهم كثيرًا، وانهارت مقاومتهم حين أمر الرسول بقطع النخل وتحريقه، وأخذوا يلتمسون منه وقف ذلك.
ويتولى الأحبار الأمور الدينية وتنفيذ الأحكام والنظر فيما يحدث بين الناس من خصومات. يقيمون لهم الصلوات وبقية شعائر دينهم، ويعلمونهم في بيوت المدارس.
وقد أدى التنافس بين سادات يهود إلى نشوب معارك بينهم في الجاهلية. وقد أشار إليها القرآن الكريم وأنبهم على ذلك. واضطرت بنو قينقاع بسبب ذلك وبضغط بني النضير وبني قريظة إلى الالتجاء إلى أحياء يثرب وإلى محالفة الخزرج، وفي مقابل ذلك تحالفت بنو النضير وبنو قريظة مع الأوس، فصاروا فرقتين: فرقة مع الخزرج، وفرقة مع الأوس.
وفي تأنيب يهود، لتخاصمهم وتنابذهم وإخراجهم بعضهم بعضًا من ديارهم وأسر بعضهم بعضًا وافتداء الأسرى كالذي وقع بين بني قينقاع وبني النضير، نزل الوحي: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ
١ الروض الأنف "٢/ ١٩٤"، ابن هشام "٢/ ١٩٥"، "حاشية على الروض"، "الصورة: أصل النخل"، "الصورة: النخلة"، تاج العروس "٣/ ٣٤٣"، "صور".