للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أمل المسلمون أن يساعد اليهود الإسلام على الوثنة وأن يقفوا منه موقف ود أو حياد، ذلك بأنهم أصحاب كتب منزلة ودين توحيد، والإسلام قريب منهم، وقد اعترف بالأديان السابقة له، ونزه الأنبياء والمرسلين، وهو دين توحيد كذلك. ثم إن الرسول تودد إليهم حين دخوله يثرب، وأمنهم على أموالهم وأنفسهم، وزراهم وطمأنهم، ثم تعاهد معهم في صحائف كتبت لهم، فيها العهد بالوفاء لما اشترط لهم، ما داموا موفين بالوعد وبالعهد وقد طلب إلى جميع المسلمين الوفاء بما جاء فيها، ومنعوا من التجاور والتطاول على من في يثرب من يهود١. وجعل لليهود نصيبا في المغنم إذا قاتلوا مع المسلمين كما شرط عليهم النفقة معهم الحرب.

ولم تكن علاقات اليهود مع المسلمين سيئة في الأيام الأولى من مجئ الرسول إلى يثرب. رأت جمهرة يهود أن الإسلام دين اعترف بالأنبياء، وأنه دين توحيد وإنه في جملة أحكامه قريب من أحكام ديانتهم وقواعدهم، وأنه يناهض الأوثان، وقد أشاد بفضل بني إسرائيل وبتفوقهم على غيرهم بظهور الأنبياء من بينهم، ثم إن قبلته إلى القدس، وقد تسامح معهم فأباح للمسلمين طعام أهل الكتاب٢. وهو دين اعترف بأبوة إبراهيم للعرب، وجعل سنته سنة له. وقد تسامح معهم وحفظ ذممهم، فلم تر في انتشاره بين أهل يثرب ما يضيرهم شيئًا أو يلحق بهم أذى، ولذلك أظهرت استعدادها لعقد حلف سياسي مع ووقوفها موقف ود منه أو موقف حياد على الأقل، على ألا يطلب منها تغيير دينها وتبديله والدخول في الإسلام.

ولما دخل أهل يثرب في الإسلام أفواجا، وتوجه المسلمون إلى اليهود يدعونهم إلى الدخول فيه وإلى مشاركتهم لهم في عقيدتهم باعتبار أنهم أهل دين يقول بالوحي ويؤمن بالتوراة، وبرسالة الرسل، فهم لذلك أولى بقبول هذه الدعوة من الوثنيين، أدركت جمهرتهم أن الإسلام إذا ما استمر على هذا المنوال في المدينة من التوسع والانتشار ومن توجيه دعوته إلى اليهود أيضًا، فسيقضي على عقيدتهم التي ورثوها وهي عقيدة لا تعترف بقيام نبي من غير بني إسرائيل ولا بكتب غير التوراة


١ ابن هشام "٣/ ٧٤، ١٩٧"، الروض الأنف "٢/ ١٦"، "كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بينه وبين اليهود".
٢ المائدة، الآية ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>