للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكتب التي دونها علماؤهم، ثم هم يرون أن النبوة قد ختمت ولن يكون المسيح إلا منهم، فكيف يعتقدون بنبي عربي وهو من الأميين؟

وقد رفض اليهود الدخول في الإسلام، وأبوا تغيير دينهم، ودافعوا عن عقيدتهم وتمسكوا بها، ورفضوا التسليم بما جاء في رسالة الرسول من أن الرسول نبي أرسل للعالمين كافة وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن القرآن كتاب مصدق من الله، وأن أحكامه مؤيدة لما جاء في التوراة ناسخة لبعضها. وقد جادلوا في ذلك، وانبرى أحبارهم للدفاع عن عقيدتهم ولمجادلة من يأتي إليهم من المسلمين لأقناعهم في الدخول في الإسلام. وفي القرآن الكريم صور من جدلهم هذا ومن محاجتهم الرسول في دعوته، كما نجد مثل ذلك في الحديث النبوي وفي كتب السير.

ويتبين من نتائج دراسة صور هذا الجدل والخصام الذي وقع بين اليهود والمسلمين، وهو خصام مهم خطر، أن الخصومة كانت في مرحلتها الأولى رفضا لدعوة الرسول إياهم للدخول في الإسلام، وتمسكا شديدًا بعقيدتهم وبدينهم وبما ورد عندهم من أن النبوة قد بدأت وانتهت في بني إسرائيل، ثم تطورت واشتدت عنفا وقوة لما تبين لهم أن الإسلام يرفض نظريتهم هذه، وأنه قد حرم أمورا ستؤثر في مستقلبهم، وقد ألف بين قلوب أهل يثرب وأوجد منهم كتلة واحدة، وأنه سيحد من سلطانهم لا محالة، وأن ملكهم سيزول، فوسعوا مقاومتهم له، واتصلوا بمن وجدوا فيه حقدا وبغضا للرسول، وبمن تأثر سلطانه بدخول الإسلام في يثرب من أهلها، ثم لما وجدوا أن كل ذلك غير كاف، تراسلوا مع أعداء الرسول في خارج يثرب من قريش، لتوحيد خططهم معهم، ولجملهم على مهاجمة المسلمين في مدينتهم ومعقلهم قبل أن يستفحل أمرهم ويقوى مركزهم، فيعجزون ميعا هم وأهل مكة عن التغلب عليهم والقضاء على الإسلام.

وهكذا بدأت خصومة اليهود للإسلام خصومة فكرية، هم يرفضون الاعتراف بنبوة الرسول، وبأن دعوته موجهة إليهم، ويرفضون نبوة في غير بني إسرائيل، والرسول يدعوهم إلى الإيمان بالله وإلى الدخول في دعوته المبنية على الإيمان بالله رب العالمين، رب العرب وبني إسرائيل والعجم، وعلى الإيمان بنبوته وبنبوة الأنبياء السابقين، ثم تطورت هذه الخصومة إلى معارك وحروب، والحروب كما نعلم تبدأ نزاعا في الآراء والأفكار ثم تتحول إلى صراع ونزاع وقتال.

<<  <  ج: ص:  >  >>