للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نثر التراب على رأسه حزنًا على فراقه١. وقد بقيت أسر يهودية في وادي القرى وفي تيماء قرونًا عديدة بعد صدور أمر عمر بالإجلاء، بل ورد أن عددًا منهم عاش في المدينة أيضًا.

وقد كانت اليهودية قانعة بما أوتيت، وبم كسبته من مواطن وتجارة، إن وجدت سبيلا إلى إقناع سادات القبائل والأمراء والملوك بالتهود وبالدخول في دعوتها، فذلك خير وتوفيق. وإن لم تجد في هؤلاء ميلا إلى اليهودية، رضيت منهم باكتساب العطف والحماية ورعايتهم في تحصيل ديونهم والأرباح التي يحصلون عليها من الربا، وبالسماح لهم بالتجارة والبيع والشراء، وهو ما يصبو إليه كل يهودي.

لذلك نستطيع أن نقول أن اليهودية كانت من ناحية التبشير عند ظهور الإسلام جامدة خامدة، لا يهمها نشر الدين بقدر ما تهمها المحافظة على الحياة وعلى المركز الذي وصلت إليه وعلى تجارتها التي تعود عليها بمال غزير. فكانت لهذا لا تهتم بحركة إلا إذا وجدت فيها فائدة لها، ومنفعة ترتجى منها، ولا تحارب رأيا إلا إذا وجدت أنه سيكون خطرًا عليها، فحاربت النصرانية في اليمن لما وجدت الروم يسيرون على سياسة معايدة لليهود، وأن النصرانية مهما كانت كنيستها هي فرع من شجرة واحدة هي الشجرة التي يقدسها الروم، فامتداد أي فرع منها إلى اليمن، كفيل بالحاق الأذى الذي لاقاه إخوانهم من البيزنطيين بهم. وحاربت الإسلام بعد هجرة الرسول إلى المدينة، لما تبين لها إنه يدعو إلى رب العالمين، وإنه لم يكن على ما ظنته حينما سمعت بدعوة الرسول وهو في مكة، من إنه سيخضع لها، أو سيميل إليها، فتستفيد منه على الأقل، فلما وجدت الأمر غير ما ظنت، عندئذ خاصمته وانضمت إلى المشركين في محاربة الإسلام.

ولسنا نجد بين القبائل العربية يهودا وفدوا إليها وأحبارا سكنوا بينها لاقناعها بمختلف الوسائل والطرق للدخول في دين يهود. نعم لم يفعل اليهود هذا كما فعله النصارى، ولهذا انحصرت سكنى اليهود عند ظهور الإسلام في هذه المواضع الخصبة وطرق المواصلات والتجارة البرية والبحرية من جزيرة العرب، وانحصر عملهم في التجارة وفي الربا في الزراعة وفي بعض الصناعات التي تخصصوا بها. وهي أمور جعلت لهم نفوذا عند سادات القبائل والأمراء والملوك.


١ الواقدي "٤١٥"، اليهود "١٧٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>