للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن لا نستطيع أن نتصور أن سواد يهود الجاهلية كانوا على علم بالكتابة وبالقراءة ثم بأحوال دينهم وأموره. وفي القرآن الكريم أن هذا السواد كان جاهلا ليس له علم ولا خبر بأمور دينه وشريعته، وأنه مقلد تابع لما تقوله له أحباره وربانيوه. فكل ما كانوا يقولونه له، كانوا يرونه حقًّا وعلمًا١. مع أن من بين أولئك من كان دجالا ليس على درجة من دراية وعلم، ومن كان ينطق بالباطل ولا يخشى الكذب، لينال بذلك كسبا ومالا، وأنه كان لهؤلاء على أتباعهم ومقلديهم سلطان عظيم.

وقد تعرض "ابن خلدون" لموضوع علم اليهود العرب وثقافتهم، فقال: "إذا تشوقت العرب إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم. وهم أهل التوراة من اليهود، ومن تبع دينهم من النصارى. وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم، ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب، ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية. فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك"٢. فغالبية يهود جزيرة العرب في الجاهلية، هم في مستوى، يعد، دون مستوى يهود البلاد الأخرى، بسبب تبديهم وانقطاعهم عن غيرهم من اليهود.

وقد كانت لليهود مدارس تدارسوا فيها أحكام شريعتهم، وكان لهم أحبار وحاخامون علموهم أمور دينهم. ذكر أهل الأخبار إنهم كانوا يكتبون بالعبرانية أو بالسريانية، وذلك لاختلاف أهل الأخبار في تعيين تلك اللغة، وعدم تمكنهم من التمييز بينهما. وفي كتب الأخبار والتواريخ إشارات إلى اتصال بعض رجال مكة ويثرب باليهود والاستفسار منهم عن أمور الرسل والأنبياء والماضيين وعن بعض الأحكام. وفيها قصص إسرائيل وجد له سبيلا إلى العربية، يرويه القصاصون عن الرسل والأنبياء، وأساطير لا يشك في كونها إسرائيلية الأصل. كما نجد ألفاظا


١ "ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني. وإن هم إلا يظنون"، البقرة، الآية ٨٧، تفسير القرطبي، الجامع "١/ ٢٩٦ وما بعدها".
٢ ابن خلدون "١/ ٤٣٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>