للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيء كثير بحقهم في القرآن الكريم وفي الحديث وفي الأخبار ولا سيما أخبار الغزوات، يتعلق معظمه بأمر الخصومة التي وقعت بينهم وبين النبي عند قدومه يثرب، فهو لا صلة له لذلك إلا بما له علاقة بهذه الناحية. وما ورد عنهم إذن هو من مورد واحد وطرف واحد. أما الطرف الثاني من أصحاب العلاقة بهذا التأريخ والشأ، وأعني بهم اليهود، فلا صوت لهم فيه، ولا رأي. فلم تصل إلينا منهم كتابة ما عنهم في علاقتهم بالإسلام. كذلك لم تصل إلينا كتابة أو رواية أو خبر عن أولئك اليهود في الموارد التأريخية التي دونها غيرهم من مؤرخي يهود وكتابهم عن علاقة يهود جزيرة العرب بالإسلام، وعن اجلاء يهود الحجاز من مواضعهم إلى بلاد الشام، لا في العربية ولا في العبرانية ولا في بقية اللغات، مع ما لهذا الحادث من خطر في تأريخ اليهود في جزيرة العرب. ولعل الأيام تكشف لنا عن موارد في العبرانية أو في لغة بني إرم تذكر أحوال يهود جزيرة العرب قبيل الإسلام وعند ظهوره، وتكشف عن آثار يهود في المواضع التي كانوا يسكنونها في الحجاز، فتبت في أمور كثيرة عن حياة هؤلاء. وليس احتمال عثورنا على مثل هذه الآثار ببعيد، فلا بد أن يعثر على حجر من الحجارة المكتوبة التي توضع فوق القبور، فتعرف منه ما لغة الكتابة التي كان يستعملها أولئك اليهود، أهي العبرانية، أو العربية، أو لغة بني إرم، أو أبجدية من الأبجديات المشتقة من القلم المسند؟ وقد يعثر على نصوص أطول من هذه النصوص التي توضع على القبور، تكشف النقاب عن أمور أخرى مهمة تفيدنا في معرفة أحوال اليهود ببلاد العرب قبل الإسلام.

وما دمنا لا نملك نصوصا يهودية جاهلية، ولا نصوصا عربية جاهلية تتعرض ليهود، فليس في وسعنا إذن أن نتحدث باطمئنان عن أثر اليهود في الجاهليين أو أثر الجاهليين في اليهود. لقد تحدث عدد من المستشرقين عن أثر اليهود في الجاهليين، فزعموا أن اليهود أثرًا عميقًا فيهم، فالختان مثلا هو أثر من آثار يهود في العرب. وشعائر الحج عند الوثنيين أكثرها هي من إسرائيل، فالطواف حول البيت يرجع أصله إلى بني إسرائيل، ذلك أن قدماءهم كانا يطوفون حول خيمة الإله "يهوه" إله إسرائيل، ومنهم تعلمه الجاهليون واتبعوه في طوافهم بالبيت. والإجازة بعرفة يهودية كذلك، لأن الذي كان يجيز الحجاج بعرفة فيأمر الحج بالرمي بعد أن يلاحظ الشمس وقت الغروب يعرف بـ "صوفة"، وصوفة

<<  <  ج: ص:  >  >>