بين المسلمين بكعب الأحبار وبكعب الحبر من باب التعظيم والتقدير لعلمه. وقد أتاه هذا اللقب من علمه بالشريعة وبكتب الأنبياء وبأخبار الماضين، وهو علم لا نستطيع أن نحكم على درجته ومقدار بعده أو قربه من العلم الذي كان منتشرا بين أحبار ذلك العهد ما لم نقف على الأقوال الصحيحة التي صدرت عن ذلك الحبر. أما هذا المروي عنه والمذكور في تفسير الطبري وفي تأريخه وفي كتب من كان يعني بجمع القصص ولا سيما قصص الرسل والأنبياء فليس في استطاعتنا التصديق بأنه كله صادر من فم كعب، إذ يجوز أن يكون من رواية أناس آخرين ثم حمل على كعب.
ولم ينسب أحد إلى كعب مؤلفا، وكل ما نسب إليه فهو مما ورد عنه بالمشافهة والسماع. وهو بين صحيح يمكن أن يكون قد صدر عنه، وبين مشكوك في أمره وضع عليه، وفيه ما هو إسرائيلي صحيح، أي إنه مما هو وارد في التوراة أو في التلمود أو في الكتب الإسرائيلية الأخرى وفيه ما هو قصص إسرائيلي نصراني، وما هو محض افتعال وخلط. وبالجملة، إن هذا الوارد عنه يصلح أن يكون موضوعا لدراسة، لمعرفة أصوله وموارده والمنابع التي أخذت منه. وعندئذ يمكن الحكم على درجة أصله ونسبه في علم بني إسرائيل، وإمكان صدوره من كعب أو من غيره، ومقدار علم كعب ووقوفه على الإسرائيليات.
وأما وهب بن منبه، فيعد من التابعين، ويعد مرجعا مهما في القصص الإسرائيلي. ويقال إنه حصل على علمه من كتب الأولين، وإن أخا له كان يذهب إلى الشام للتجارة فيشتري له الكتب ليطالعها، وإنه كان على علم غزير بأحوال الماضين، وكان ملما بجملة لغات١. وإذ كان وهب من المتأخرين وكان نشاطه في الحركة الفكرية في الإسلام لا في الجاهلية، لم نجعل له في هذا الموضع مكانا، إنما مكانه في الأجزاء المتعلقة بتاريخ الإسلام.
هذه قصة يهود جزيرة العرب قبل الإسلام، قصة لا تستند إلى مؤلفات تأريخية كتبت في تلك الأيام، ولا إلى نصوص جاهلية عربية أو أعجمية لها علاقة بيهود كتبت في ذلك العهد، ولكن تستند، في أكثر ما حكيناه إلى موارد إسلامية، ذكرتهم وأشارت إليهم لمناسبة ما وقع بينهم وبين الرسول من خلاف، وقد ورد
١ لي مقال عنه في مجلة المجمع العلمي العراقي، الجزء الأول والثاني منها.