للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من إفريقية مثلا. فقد كان صنفها من النوع الغالي الممتاز بالجمال والحسن والاتقان ثم بالابتكار وبالقيام بأعمال لا يعرفها من هم من أهل إفريقية. ومن الروميات والصقلبيات والجرمانيات من صرن أمهات لأولاد عدوا من صميم العرب. وقد كان أكثرهن، ولا سيما قبيل ظهور الإسلام، على النصرانية. ومن بينهن من خلدت أسماؤهن لتتحدث للقادمين من بعدهم من الأجيال عن أصولهن في العجم وعن الدين الذي كن عليه.

وقد كان في مكة وفي الطائف وفي يثرب وفي مواضع أخرى من جزيرة العرب رقيق نصراني كان يقرأ ويكتب للناس ويفسر للناس ما جاء في التوراة والأناجيل، ويقص عليهم قصصًا نصرانيا ويتحدث إليهم عن النصرانية، ومنهم من تمكن من إقناع بعض العرب في الدخول في النصرانية، ومنهم من أثر على بعضهم، فأبعده عن الوثنية، وسفه رأيها عندهم، لكنهم لم يفلحوا في أدخالهم في دينهم، فبقوا في شك من أمر الديانتين، يرون أن الحق في توحيد الله وفي اجتناب الأوثان، لكنهم لم يدخلوا في نصرانية، لأنها لم تكن على نحو ما كانوا يريدون من التوحيد وتحريم الخمر وغير ذلك مما كانوا يبتغون ويشترطون.

وقد أثرت الأديرة تأثيرا مهما في تعريف التجار العرب والأعراب بالنصرانية. فقد وجد التجار في أكثر هذه الأديرة ملاجئ يرتاحون فيها ومحلات يتجهزون منها بالماء، كما وجدوا فيها أماكن للهو والشرب: يأنسون بأزهارها وبخضرة مزارعها التي أنشأها الرهبان، ويطربون بشرب ما فيها من خمور ونبيذ معتق امتار بصنعة الرهبام. وقد بقيت شهرة تلك الأديرة بالخمور والنبيذ قائمة حتى في أيام الإسلام. ومن هؤلاء الرهبان ومن قيامهم بشعائرهم الدينية، عرف هؤلاء الضيوف شيئًا عن ديانتهم وعما كانوا يؤدونه من شعائر. وقد أشير إلى هؤلاء الرهبان الناسكين في الشعر الجاهلي، وذكر عنهم أنهم كانوا يأخذون المصابيح بأيديهم لهداية القوافل في ظلمات الليل١.

وقد كانت هذه الأديرة، وهي بيوت خلوة وعبادة وانقطاع إلى عبادة الله والتفكير فيه، مواطن تبشير ونشر دعوة. وقد انتشرت حتى في المواضع القصية من البوادي. وإذا طالعنا ما كتب فيها وما سجله أهل الأخبار أو مؤرخو الكنائس


١ WeIhausen Reste S ٢٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>