للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من جسده١.

وفي تواريخ الكنيسة قصص عن أمثال هذه المعجزات المنسوبة إلى القديسين، كالتي نسبوها إلى القديس "سمعان العمودي" "المولود نحو سنة ٣٦٠م" يذكرونها على أنها كانت سببا في هداية عدد من الأمراء وسادات القبائل إلى النصرانية، وبفضل تنصرهم دخل كثير من أتباعهم في هذا الدين٢. وكالتي نسبوها إلى القديس "أفتميوس" الذي نضر بفضل هذه المعجزات جمعا من الأعراب وأسكنهم في أماكن خاصة أنشأ فيها كنائس أطلق عليها في اليونانية ما معناه "المحلة" أو "المعسكر"٣.

ولم يعبأ المبشرون بالمصاعب والمشقات التي كانوا يتعرضون لها، فدخلوا مواضع نائية في جزيرة العرب، ومنهم من رافقوا الأعراب، وعاشوا عيشتهم، وجاروهم في طراز حياتهم، فسكنوا معهم الخيام، حتى عرفوا بـ "أساقفة الخيام" وبـ "أساقفة أهل الوبر"، وبأساقفة القبائل الشرقية المتحالفة وبأساقفة العرب البادية. وقد ذكر أن مطران "بصرى" كان يشرف على نحو عشرين أسقفا انتشروا بين عرب حوران وعرب غسان وقد نعتوا بالنعوت المذكورة، لأنهم كانوا يعيشون في البادية مع القبائل عيشة أهل الوبر٤.

وقد دخل أناس من العرب بالنصرانية باتصالهم بالتجار النصارى وبمجالستهم لهم. روي أن رجلا من الأنصار، يقال له "أبو الحصين"، كان له ابنان، فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلما باعوا وأرادوا أن يرجعوا، أتاهم ابنا أبي الحصين، فدعوهما إلى النصرانية فرجعا إلى الشام معهم٥.

ودخلت النصرانية جزيرة العرب مع بضاعة مستوردة من الخارج، هي تجارة الرقيق من الجنسين، فقد كان تجار هذه المادة الرابحة يستوردون بضاعتهم من أسواق عالمية مختلفة، ولكن أثمن هذه البضاعة وأغلاها هي البضاعة المستوردة من إمبراطوريةي الروم والفرس، لمميزات كثيرة امتازت بها أنواع المستوردة


١ الديورة في مملكتي الفرس والروم، للقس بولس شيخو "ص٣٢، ٤٧".
٢ النصرانية وآدابها "١/ ٨١ وما بعدها".
٣ المشرق: السنة الثانية عشرة، الجزء٥. آذار "١٩٠٩م"، "ص٣٤٤ وما بعدها".
٤ النصرانية "١/ ٣٧".
٥ تفسير الطبري "٣/ ١٠"، تفسير القرطبي "٣/ ٢٨٠ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>