للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كافية للاقناع. ولذلك فليس من الممكن تثبيت تأريخ لانتشارها في هذه الأماكن في الزمن الحاضر، وليس لنا إلا التفتيش عن أقدم الوثائق المكتوبة للوقوف عليها بوجه لا يقبل الشك ولا التأوي. ونحن أمام بحث علمي، يجب أن تكون العاطفة بعيدة عنه كل البعد.

وإذا كانت اليهودية قد دخلت جزيرة العرب بالهجرة والتجارة، فإن دخول النصرانية إليها كان بالتبشير وبدخول بعض النساك والرهبان إليها للعيش فيها بعيدين عن ملذات الدنيا، وبالتجارة، وبالرقيق ولا سيما الرقيق الأبيض المستورد من أقطار كانت ذات ثقافة وحضارة. أما هجرة نصرانية كهجرة يهود إلى الحجاز أو اليمن أو البحرين، فلم تحدث، ذلك لأن النصرانية انتشرت في إمبراطورية الروم والساسانيين بالتدريج، ثم صارت ديانة رسمية للقياصرة والروم وللشعوب التي خضعت لهم، فلم تظل النصرانية أقلية هناك، لتضطر إلى الهجرة جماعة وكتلة إلى بلد غريب. لذلك كان حديثنا عن نصارى العرب من حيث الأصل والأرومة، يختلف عن حديثنا عن أصل يهود اليمن أو الحجاز.

وبفضل ما كان لكثير من المبشرين، من علم ومن وقوف على الطلب والمنطق ووسائل الإقناع وكيفية التأثير في النفوس، تمكنوا من اكتساب بعض سادات القبائل فأدخلوهم في دينهم، أو حصلوا منهم على مساعدتهم وحمايتهم. فنسب دخول بعض سادات القبائل ممن تنصر إلى مداواة الرهبان لهم ومعالجتهم حتى تمكنوا من شفائهم مما كانوا يشكون منه من أمراض. وقد نسبوا ذلك إلى فعل المعجزات والبركات الإلهية، وذكر بعض مؤرخي الكنيسة أن بعض أولئك الرهبان القديسين شفوا بدعواتهم وببركات الرب نساء العقيمات من مرض العقم فأولدن أولادا، ومنهم من توسل إلى الله أن يهب لهن ولدا ذكرا، فاستجاب دعوتهم، فوهب لهم ولدا ذكرا، كما حدث ذلك لضجعم سيد الضجاعمة، إذ توسل أحد الرهبان إلى الله أن يهب له ولدا ذكرا، فاستجاب له. فلما رأى ضجعم ذلك، دخل في دينه وتعمد هو وأفراد قبيلته١. ومنهم من شفي بعض الملوك العرب من أمراض كانت به مثل "مارايشوا عزخا" الراهب. ذكروا أنه شفى النعمان ملك الحيرة من مرض عصبي ألم به، وذلك بإخراجه الشيطان


١ النصرانية وآدابها "١/ ٣٥"، Sozomene Hist EccI VI ٣٨

<<  <  ج: ص:  >  >>