للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان مشهد القديس "سرجيوس" في "الرصافة"، من أهم المزارات التي تقصدها المتنصرة من عرب الشام، مثل الغساسنة وتغلب. وقد تقرب إليه بعض ملوك الغساسنة بتقديم الهدايا والنذور إليه وبتزيينه وبزيارته، وبالاعتناء بالمدينة وبصهاريجها تكريمًا له، وتقربًا إليه، وظل هذا المزار مقصودًا مدة في الإسلام. وقد عد التغلبيون هذا القديس شفيعهم، جعلوا له راية حملوها معهم في الحروب، وكانوا يحملونها مع الصليب تبركًا وتيمنًا بالنصر١.

وكان حاضر "قنسرين" لتنوخ. أقاموا في طرفها هذا منذ زمن قديم، مذ أول نزولهم بالشام. نزلوا في طرفها وتنصروا. فلما حاصر "أبو عبيدة" المدينة، دعاهم إلى الإسلام، فأسلم بعضهم، وأقام على النصرانية بنو سليح. كذلك كان في طرف قنسرين عشائر من طيء، نزلوا بها في الجاهلية على أثر الحروب التي وقعت فيما بينهم، واستدعت تفرقهم، فأقاموا عند قنسرين مع القبائل العربية الأخرى التي جاءت إلى هذا المكان٢.

وكان بقرب مدينة "حلب" حاضر يدعى "حاضر حلب" يجمع أصنافًا من العرب من تنوخ وغيره. فلما جاء "أبو عبيدة" إلى المدينة، صالح من فضل البقاء منهم على دينه على الجزية، ثم أسلم الكثير منهم فيما بعد٣.

وتعد بهراء في جملة القبائل العربية المتنصرة عند ظهور الإسلام. تنصرت كما تنصرت غسان وسليح وتنوخ وقوم من كندة، وذلك لنزولها في بلاد الشام ولاتصالها بالروم٤.


١ قال الأخطل:
لما رأونا، والصليب طالعا ... ومار سرجيس وسما ناقعا
وأبصروا راياتنا لوامعا ... خلوا لنا راذان والمزارعا
فأجابه جرير:
أفبالصليب ومار سرجيس تتقي ... شهباء ذات مناكب جمهورا
وقال:
ستنصرون بمارسرجيس وابنه ... بعد الصليب ومالهم من ناصر
المشرق، السنة الرابعة والثلاثون، نيسان - حزيران، ١٩٣٦، "ص٢٤٦ وما بعدها".
٢ البلاذري، فتوح "١٥٠ وما بعدها"، "أمر جند قنسرين والمدن التي تعدى العواصم".
٣ البلاذري، فتوح "١٥١"ز
٤ اليعقوبي "١/ ٢٩٨"، الخراج "١٤٦"، النصرانية"١٢٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>