للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سكن قوم من "إياد" السواد والجزيرة، وسكن قوم منهم بلاد الشام، فخضعوا للغساسنة وللروم وتنصروا. وهم في جملة القبائل التي لم يأخذ علماء العربية اللسان عنها لمجاورتها أهل الشام، ولتأثرها بهم، وهم قوم يقرءون ويكتبون بالسريانية، فتأثروا بهم، لروابط الاحتكاك والثقافة والدين١.

وقد ترك لنا رجل من نصارى الشام نصًّا قصيرًا مؤرخا بسنة "٤٦٣" المقابلة لسنة "٥٦٨" للميلاد، وهي غير بعيدة عن ميلاد الرسول جاء فيها: "نا شرحيل بر ظلمو بنيت ذا المرطول سنت ٤٦٣ بعد مفسد خيبر بعم"، أي "أنا شراحيل بن ظالم بنت ذا المرطول بعد مفسد "خيبر" بعام". هو على قصره ذو أهمية عظيمة من الناحية اللغوية، إذ هو النص الجاهلي الوحيد الذي وصل إلينا مكتوبا باللهجة التي تزل بها القرآن الكريم. وهو على ما أعلم النص الجاهلي الوحيد أيضًا الذ وصل إلينا مكتوبا بصيغة المتكلم، فالنصوص الأخرى التي وصلت إليها والمكتوبة بمختلف اللهجات العربية مدونة كلها بضمير الغائب. وهو أيضًا من النصوص العربية القليلة التي تركها النصارى العرب لمن بعدهم في بلاد الشام.

وقد استغل الروم العرب المتنصرة بأن أثاروا في نفوسهم العواطف الدينية على المسلمين، حينما عزم المسلمين على فتح بلاد الشام وطرد البيزنطيين منها، وأغروا سادات القبائل بالمال وبالهدايا وبالوعود حتى اشتروهم فصاروا إلى جانبهم. والمصالح الشخصية هي فوق كل مصلحة عند سادات القبائل، لا يعلوها عندهم مصلحة، فانضموا إليهم، وجاءوا بقبائلهم لتحارب معهم. ومن هذه القبائل العربية التي حاربت مع الروم، غسان. حاربوا معهم في معارك عديدة. ففي يوم اليرموك كانوا في صفوف الروم، وكان رئيسهم "جبلة بن الأيهم الغساني" في مقدمة الجيش الذي أرسله هرقل لمحاربة المسلمين. كان على رأس مستعربة الشام من غسان ولخم وجذام٢. وقد اشترك مع الروم في حروب أخرى ضد المسلمين.

وكانت "سليح" في جملة القبائل العربية المتنصرة التي حاربت المسلمين. ولما تقهقر الروم وانهزموا، دفعوا الجزية لاحتفاظهم بدينهم. وكذلك كانت عاملة ولخم وجذام في جملة القبائل المتنصرة التي ساعدت الروم، وآزرتهم. كانوا مع


١ المزهر "١/ ١٠٥"، النصرانية "١٢٤".
٢ البلاذري، فتوح "١٤٠"، "يوم اليرموك".

<<  <  ج: ص:  >  >>