للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودير ابن المزعوق، وهو دير قديم بظاهر الحيرة، ودير هند الصغرى بنت النعمان بن المنذر المعروفة بالحرقة، وكانت به قبور أهلها، بنته هند في أيام "خسرو أنو شروان" في زمن مار افريم الأسقف. وأما الدير المعروف بدير هند الأقدم، فنسب بناؤه إلى هند الكبرى، أم عمرو بن هند١.

هذه أسماء اخترتها من بين أسماء أديرة أخرى كثيرة ذكرها "الشابشي"٢، وياقوت الحموي والبكري، لأن لها صلة بالحيرة وبما جاورها وبالعرب سكان هذه الأرضين. ونجد في بلاد الشام أديرة أخرى بناها عربها في تلك الديار قبل الإسلام. ونجد على تسميات بعضها الصبغة الإرمية كما في تسمية "مار افريم" "مار افرايم" و"مار عبدا" و"مار فايثو"، وغيرها. وكلمة "مار" من كلمات بني إرم، كما نجد الصبغة النصرانية للأعلام واضحة على بعضها كما في عبد المسيح وحنة ومارت مريم وأمثال ذلك، وهي من الأعلام التي اختصت بالنصارى. وذلك بسبب أن النصرانية كانت متأثرة بثقافة بني إرم، وكانت تستعمل اللغة الإرامية في الصلوات وفي تأدية الشعائر الدينية الأخرى. ولغة بني إرم هي لغة العلم عند النصارى الشرقيين، فكان من الطبيعي استعمال نصارى العرب لهذه اللغة في كنائسهم وبيعهم وأديرتهم وفي دراستهم للدين وما يتصل باللاهوت من علوم. ومن هنا استعمل كتابهم قلم بني إرم في كتاباتهم، ومن هذا القلم تولد القلم النبطي المتأخر الذي تفرع منه القلم العربي الذي كتب به أهل الحجاز عند ظهور الإسلام، فصار القلم الرسمي للمسلمين.

وقد نعت الرواة وأهل الأخبار العرب التي دانت بالنصرانية بـ "العرب المتنصرة"، تمييزا لها عن العرب الآخرين الذين لم يدخلوا في هذه الديانة، بل بقيت على إخلاصها ووفائها لديانة آبائها وأجدادها، وهي عبادة الأوثان. ومن القبائل التي يحشرها أهل الأخبار في جملة "العرب المتنصرة" غسان وتغلب وتنوخ ولخم وجذام وسليح وعاملة. وبلاحظ أن الإخباريين يطلقون على هذه القبائل أو على أكثرها "العرب المستعربة"، وهم لا يصدقون بذلك نسبها، لأن من بينها كما نعلم من هو من أصل قحطاني على حسب مذهب أهل الأنساب في نسب


١ البكري "٢/ ٦٠٦"، البلدان "٤/ ١١٩ وما بعدها"، "القول في ذكر الأديرة".
٢ مطبعة المعارف، بغداد، تأريخ كلدو وأثور "٢/ ٢٩"، ذخيمة الأذهان "٣١٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>