للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القبائل. وإنما يريدون من هذا المصطلح التي كانت قد سكنت ببلاد الشام والساكنة في أطراف الإمبراطورية البيزنطية وفي سيف العراق من حدود نهر الفرات إلى بادية الشام، فهو يشمل إذن القبائل النازلة على طرفي الهلال الخصيب وفي طرفي القوس التي تحيط بحدود الإمبراطوريةين. وخاصة تلك القبائل التي دانت بالنصرانية وتأثرت بثقافة بني إرم وبلهجتها، وذلك لظهور هذا الأثر فيها، وعلى لهجتها خاصة، مما حدا بعلماء اللغة أن يتحرجوا في الاستشهاد بشعرها في قواعد اللغة. والاستشهاد بشعر قبيلة لإثبات القواعد هو أوثق شاهد في نظر العلماء على التسليم بنقاوة لغة القبيلة التي يستشهد بشعرها وأصالتها.

ووجدت النصرانية بعد بلاد الشام والعراق لها مواضع أخرى دخلت إليها، هي أطراف جزيرة العرب، كالعربية الغربية والجنوبية والشرقية. وتفسير دخولها إلى هذه الأرضين واضح، هو اتصالها بطرق القوافل البرية والبحرية في البلاد التي انتشرت فيها النصرانية، ومجئ التجار النصارى والمبشرين مع القوافل إليها. وتجار النصارى، لم يكونوا على شاكلة تجار يهود: كانوا يرون أن التجارة هي كسب والآخرة، فكانوا يغتنمون فرصة وجودهم في البلاد التي يطرقونها كسبا لهم ولبلادهم، وأكثرهم من الروم. فإنهم يجدون بتنصر الغرباء، إخوانا هلم يرون رأيهم، ويعطفون عليهم. ثم إنه سيفضلونهم في تعاملهم معهم على غيرهم، وسيتساهلون معهم ولا شك. ثم إنهم سيقربنهم بتنصيرهم من العالم النصراني، وممثل هذا العالم وحماته هم الروم.

وكان أهل دومة الجندل خليط، فيهم نصارى، قال عنهم أهل الأخبار إنهم "من عباد الكوفة"١. ويظهر من خبر أسر خالد للأكيدر ومجيئه به على رسول الله، ومن مصالحة الرسول له على الجزية، إنه كان على النصرانية، إذ لا تؤخذ الجزية من مشرك٢؟


١ البلاذري، فتوح البلدان "٧٤". "دومة الجندل".
٢ "ثم إن خالدا قدم بأكيدر على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحقن له دمه، وصالحه على الجزية، ثم خلى سبيله، فرجع إلى قريته" الطبري "٣/ ١٠٩". "دار المعارف"، "ذكر الخبر عن غزوة تبوك".

<<  <  ج: ص:  >  >>