للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممن اعتنق النصرانية، ومن أهل يثرب. ويظهر أنه كان قد تمكن من إقناع بعض شباب الأوس من اعتناق دينه، بدليل ما ذكره علماء التفسير من أنه لما خرج من يثرب مغاضبا للرسول، وذهب إلى مكة، مؤيدا إياهم ومحرضا لهم على محاربة الرسول أخذ معه خمسين أو خمسة عشر رجلا من الأوس، على ما ذكره علماء التفسير، فلما أيس من نجاح أهل مكة في القضاء على الرسول فر إلى بلاد الشام على نحو ما ذكرت، ليطلب مددا من الروم يعينه في زحفه على المدينة. وأنا لا أستبعد احتمال وجود أناس آخرين من أهل يثرب كانوا قد دخلوا في النصرانية ودعوا إليها، واحتمال وجود مبشرين فيها، كانوا يسعون لإدخال أهلها في دين عيسى، يؤيدهم ويمدهم بالمال والمعنة الروم حكام بلاد الشام.

وكان بين سكان مكة عند ظهور الإسلام جماعة من النصارى هم من الغرباء النازحين إليها، لأسباب، منها: الرق، والاتجار، والتبشير، والحرفة. فأما الرقيق، فمنهم الأسود والأبيض: الأسود من إفريقية، والأبيض من أوروبة، أو من أقطار الشرق الأدنى، وهم أعلى في المنزلة وفي السعر من النوع الأول، وهم بحكم قانون ذلك العهد وعرفه تبع لسادتهم وفي ملك يمنيهم، يقومون بالأعمال التي توكل إليهم، ليس لهم التصرف إلا بأمرهم، فهم في الواقع بضاعة يتصرف بها صاحبها كيف يشاء، ليس لها صوت ولا رأي، إن أبق المملوك قتل، أو أنزل به العقاب الذي يراه ويختاره صاحبه ومالكه.

وبين الرقيق الأبيض خاصة نفر كانوا على درجة من الفهم والمعرفة، يعرفون القراءة والكتابة، ولهم اطلاع في شئون دينهم ومعارف ذلك العهد. ولهذا أوكل إليهم القيام بالأعمال التي تحتاج إلى مهارة وخبرة وذكاء. وقد كان حالهم لذلك أحسن من حال غيرهم من الأرقاء. ومنهم من كان يشرح لسادتهم أمور دينهم وأحوال بلادهم، ويقصون عليهم ما حفظوه ووعوه من أخبار الماضين وقصص الراحلين، وأكثرهم ممن كانت ألسنتهم لم تتروض بعد على النطق بالعربية، فكانوا يرطنون بها، أو يتلعثمون، ومنهم من كان لا يعرف شيئًا منها، أو لا يعرف منها إلا القليل من الكلمات.

ومن هؤلاء رجل نصراني كان بمكة قيل إن اسمه: سلمان، أو يسار، أو جبر، أو يعيش، أو بلعام، ادعى أهل مكة أنه كان هو الذي يلقن الرسول

<<  <  ج: ص:  >  >>