للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب الوثنيين وتقربا إلى الملك النعمان، فليس لدينا دليل مقنع يفيد أن وثني الحيرة كانوا يؤمنون برب مكة. ولم يذكر أحد من أهل الأخبار أن أصنام أولئك الوثنيين كانت بمكة، وأن أهل الحيرة كانوا يزورون مكة ويحجون إلى "رب البيت" في جملة من كان يحج إليه من العرب. ولم يرد في روايات أهل الأخبار أن الملك "النعمان" كان وثنيا مؤمنا بقدسية مكة وأنه حج إليها حتى نذهب إلى الفرض بأن عديا، إنما أقسم بمكة، مجاراة لهذا الملك، بل الوارد فيها أنه كان على دين النصرانية، وإنه كان مؤمنا بهذا الدين، يزور الأديرة ويحضر الصلوات ورجل على هذا النحو من التدين لا يمكن بالطبع أن يحفل بقسم ببيت من بيوت الأصنام. ثم إن مصطلح "رب مكة"، هو مصطلح إسلامي، أخذ من عقيدة التوحيد في الإسلام، فقيل: "رب البيت" ,"رب هذا البيت"١.

لقد اتخذ الأب "شيخو" هذا البيت دليلا على انتشار النصرانية في مكة وعلى تنصر أحياء منها، وعلى أن النصرانية قديمة فيها، بل يكاد يفهم من قوله أن البيت هو في الأصل كنيسة بنيت بعد المسيح بعهد قليل: بناها النصارى الذين جاءوا إلى هذه المدينة وسكنوها، وأن صور الأنبياء وصورة عيسى وأمه مريم التي ذكر الإخباريون أنها كانت مرسومة على جدار الكعبة والتي أمر الرسول بطمسها ومحو معالمها هي دليل على أثر النصرانية في مكة، ولهذا كان النصارى الجاهليون يحجون إليها ويقدسونها، ولهذا السبب أقسم٢ عدي بها، وأقسم الأعشى بها كذلك حيث قال:

حلفت بثوبي راهب الدير والتي ... بناها قصي والمضاض بن جرهم

وذكر أن من شعر "عدي" هذا البيت:

كلا يمينا الودع لو حدثت ... فيكم وقابل قبر الماجد الزارا٣

وقد اختلف العلماء في مراده بـ"ذات الودع"، فذهب بعض منهم إلى


١ "فليعبدو رب هذا البيت" سورة قريش، الآية ٣.
٢ "النصرانية "ص١١٨"، وفي الديوان:
فإني وثوبي راهب اللج والتي ... بناها قصي وحده وابن جرهم
ديوان الأعشى "٩٥".
٣ تاج العروس "٥/ ٥٣٤"، "وعد".

<<  <  ج: ص:  >  >>