للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شعر أمية حقًّا، أو من شعر آخرين وضعوه على لسانه، لا بد من دراسته ومقارنته بما جاء في الإسلام عن وصف جهنم وكيفية التعذيب فيها. وهناك رواية تنفي ورود لفظة جهنم في أي شعر جاهلي خلا هذا الشعر المنسوب إلى أمية بن أبي الصلت، ويلاحظ أنه ذكر "عدن" مع جهنم.

ولم أجد في أشعار الجاهليين ذكرا للإنجيل، إلا في الشعر المنسوب إلى "عدي بن زيد العبادي"١. وربما في شعر عدد قليل آخر من الجاهليين، لم أقف عليه. غير أن عدم ورود اللفظة كثيرًا في هذا الشعر، لا يدل على عدم معرفة الجاهليين لها، ودليلنا على ذلك ورودها ف مواضع من القرآن الكريم. وورودها فيه دليل على وقوف الجاهليين عليها واستعمالهم إياها، وأصلها من اليونانية، وقد وقف العرب عليها من السريانية أو من الحبشية٢. وقد ذكرت فيما سبق أن نفرا من أهل الكتاب كانوا قد أقاموا بمكة وكانوا يقرأون التوراة والإنجيل بألسنتهم، فلا يستبعد إذن وقوف بعض الجاهليين، ولا سيما المثقفين منهم وأصحاب التجارات الذين كانوا يقصدون الحيرة وبلاد الشام ونجران للتجارة وكان لهم اتصال وثيق بنصارى هذه الأرضين على الإنجيل وعلى الكتب الأخرى التي كان يستعملها رجال الكنيسة لإفهام الناس أمورالدين.

ويظهر من بعض روايات الإخباريين أن بعض أهل الجاهلية كانوا قد اطلعوا على التوراة والإنجيل، وأنهم وقفوا على ترجمات عربية للكتابين. أو أن هذا الفريق كان قد عرب بنفسه الكتابين كلا أو بعضًا، ووقف على ما كان عند أهل الكتاب من كتب في الدين. فذكروا مثلا أن "ورقة بن نوفل" "كان يكتب الكتاب العبراني، ويكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب": وقالوا: "وكان امرؤ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب"٣. وذكروا مثل ذلك عن "أمية بن أبي الصلت"، فقالوا إنه كان قد قرأ الكتب المقدسة٤، وقالوا مثل ذلك عن عدد من الأحناف.


١
وأوتينا الملك والإنجيل نقرؤه ... نشفي بحكمته أحلامنا عللا
الحيوان "٤/ ٦٤"، النصرانية "١٨٥".
٢ اللسان "١٣/ ١٧١"،النصرانية "١٨٥" Shorter Ency p ١٦٨
٣ راجع ما كتبته عنه في فصل الأحناف Spenger Leben I S١٢٨
٤ ابن قتيبة، الشعر والشعراء "١٧٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>