للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت هذه الروايات صحيحة، فإنها تدل على أن الجاهليين كانوا قد وقفوا على ترجمة العهدين. ويرى بعض المستشرقين احتمال ترجمة العرب للكتاب المقدس قبل الإسلام وعند ظهوره، ترجمة من اليونانية على الأرجح. وقد استندوا في ذلك إلى خبر ذكره "ابن العبري" "Barkebraeus" يفيد أن البطريق "المنوفيزيتي" المدعو "يوحنا" "Monophysite Patriarch Johannes" كان قد ترجم الكتاب المقدس إلى أمير عربي اسمه "عمرو بن سعد"، وذلك بين سنتي "٦٣١","٦٤٠" للميلاد، وإلى أخبار تفيد أن بعض رجال الدين في العراق كانوا قد ترجموه إلى العربية وذلك قبيل الإسلام وعند ظهوره١.

ولا يستبعد وجود ترجمات للكتاب المقدس في الحيرة، لما عرف عنها من تقدم في الثقافة وفي التعليم، ولوجود النصارى المتعلمين فيها بكثرة. وقد وجد المسلمون فيها حينما دخلوها عددا من الأطفال يتعلمون القراءة والكتابة وتدوين الأناجيل، وقد برز نفر منهم، وظهروا في علوم اللاهوت، وتولوا مناصب عالية في سلك الكهنوت في مواضع أخرى من العراق، فلا غرابة إذا ما قام هؤلاء بتفسير الأناجيل وشرحها للناس للوقوف عليها. وقد لا يستبعد تدوينهم لتفاسيرها أو لترجمتها، لتكون في متناول الأيدي، ولا سيما بالنسبة إلى طلاب العلم المبتدئين. وقد لا يستبعد أيضًا توزيع بعض هذه الترجمات والتفاسير إلى مواضع أخرى لقراءتها على الوثنيين وعلى النصارى للتبشير٢.

ونجد في كتب الإخباريين وفي كتب قصص الأنبياء وفي الفصول المدونة عن الماضين قصصًا وأمثلة وكلاما يرجع أصله إلى بعض أسفاره التوراة أو إلى الأناجيل، غير أننا لا نستطيع أن نؤكد أن هذا المدون قد نقل عن الجاهليين، وأن أهل الجاهلية كانوا يعرفونه، وإنه ليس مما قصه أهل الكتاب أو مسلمة أهل الكتاب مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه على المسلمين، فدخل بينهم. ثم إن القصص أكثره من "التلمود"، "المشنا" والكتب غير القانونية، روي بشكل فيه بعد في بعض الأحيان عن هذا المدون المعروف، وهو يفيدنا من هذه الناحية كثيرًا في الحكم على مدى معرفة العرب بعلم أهل الكتاب.


١ Sprenger I S ١٣١
٢ Ency II p ٥٠٤

<<  <  ج: ص:  >  >>