للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشرف بيوتات هذه القبيلة، التي كانت محالفة لـ"أسد", وقد عرفتا بـ"الحليفتين"١ مما يدل على أنهما كانتا متحالفتين. ويدل هذا النعت الذي نعت به "حذيفة" وهو "رب معد"، على أن معدا كانت قبائل، وكل منها تنتسب إليها، وأنها لم تكن قبيلة معينة، أي: إنها كانت قبائل ترى نفسها أنها من نسب واحد، وإن قبيلة واحدة منها إذا برزت وظهرت جاز لها أن تمثل قبائل معد، وأن ينعت رئيسها نفسه ببعض النعوت التي تدل على ترؤسه لها، ومنها "رب معد".

فيتبين من كل ما تقدم أن "معدا" كلمة أريد بها أعراب كانوا يتنقلون في البوادي، يهاجمون الحضر والأرياف بصورة خاصة؛ لأنها كانت أسهل صيد للأعراب بسبب بُعد أهلها عن سيطرة الحكومة المركزية، وعدم وجود قوات دفاعية رادعة لتدافع عنهم. وكانوا يباغتون الناس ويفاجئونهم، وكانت حياتهم حياة قاسية صعبة, ولم يكونوا قبيلة واحدة، ولكن قبائل عديدة، تتشابه في المعيشة، وتشترك في فقرها وفي تعيشها على الغزو والتنقل، وقد كانت تقيم في البوادي وعلى أطراف الحضارة، كانت مواطنها بادية الشام ونجد والحجاز والعربية الشرقية. ثم صارت اللفظة علمًا لرجل صير جدًّا للقبائل التي عاشت هذه المعيشة، وعرفت بهذه التسمية على الطريقة المعروفة عند العرب وعند غيرهم من الساميين من تحويل أسماء الأماكن أو الأصنام أو المحالفات إلى أسماء أجداد وآباء.

وقد كانت "تهامة" موطن أبناء معد على حسب رأي أهل الأخبار, سكنت قضاعة من ساحل البحر حيث أنشأت "جدة" فيما بعد إلى حيز الحرم، وسكن أبناء جنادة بن معد منطقة الغمر: غمر ذي كندة، وكانت كندة قد أقامت بها أيضا فعرفت بها, وسكن أبناء قنص بن معد وسنام بن معد وبقية ولد معد أرض مكة، حيث أقاموا مع بقايا جرهم. ظلوا على ذلك متساندين متآلفين تضمهم المجامع، وتجمعهم المواسم، حتى وقع الشر بينهم، فتفرقوا وتخاذلوا وقاتل بعضهم بعضًا، يقتل العزيز منهم الذليل٢.


١ وسمع عيينة النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: " غفار وأسلم ومزينة وجهينة خير من الحليفتين أسد وغطفان "، الاشتقاق "٢/ ١٧٣".
٢ قال مهلهل:
غنيت دارنا تهامة في الدهر ... وفهيا بنو معد حلولا
فتساقوا كأسًا أمرت عليهم ... بينهم يقتل العزيز الذليلا
البكري، معجم "١/ ١٨"، "طبعة السقا".

<<  <  ج: ص:  >  >>