للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للاتفاق معه على شروط الصلح١. وعادة جعل المرء نفسه عبدا لإله أو لشخص مقدس، كما في هذه التسمية، لم تكن من العادات الخاصة بالنصارى، فقد رأينا أن أكثر الجاهلين كانوا يجعلون أنفسهم عبدا لإله من الآله، ثم يتخذون ذلك تسمية لهم، مثل عبد العزى، وعبد يغوث، وعبد ود، وأمثال ذلك. فلما كانت النصرانية، تبرأ من تنصر من اسم الآلهة الوثنية، وأحلوا محلها اسم المسيح.

وكان اسم والد حنظلة صاحب دير حنظة الذي بأرض بني علقمة بالحيرة "عبد المسيح"، ويذكر الإخباريون أنهم وجدوا على صدر الدير كتابة مكتوبة بالرصاص على ساج محفور: "بني هذا الهيكل المقدس، محبة لولاية الحق والأمانة، حنظلة بن عبد المسيح، يكون مع بقاء الدنيا تقديسه، وكما يذكر أولياؤه بالعصمة، يكون ذكر الخاطئ حنظلة"٢.

غير أن هذه الأسماء اليهودية الأصل أو النصرانية قليلة الاستعمال، فلم تكن مستعملة بنطاق واسع. وأكثر من تسمى بها، هم من الموالي والأرقاء، أو من العرب الذين كانوا على أطراف العراق وبلاد الشام، وممن تأثر بالمؤثرات الثقافية الأعجمية، أو ممن كان على يهودية أو نصرانية، فتسمى بأسماء محببة أو مباركة في هاتين الديانتين.

وأهل نجران، هم الذين كانوا يجادلون الرسول في طبيعة المسيح، فلم يكن بمكة أو بيثرب قوم منهم يستطيعون مجادلته في أمور الدين. وقد ذكر بعض المفسرين أن أهل نجران كانوا أعظم قوم من النصارى جادلوا الرسول في عيسى. جاءوا إلى الرسول، فقالوا له: ما شأنك تذكر صاحبنا؟ فقال: من هو؟ قالوا: عيسى. تزعم إنه عبد الله. فقال: أجل إنه عبد الله. قالوا: فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به، ثم خرجوا من عنده غاضبين. وقالوا إن كنت صاقدا، فأرنا عبدا يحيي الموتى ويبرئ الأكمه، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه، فلما عادوا قال رسول الله: "مثل عيسى كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له: كن فيكون" ٣.


١ البلاذري، فتوح "٢٥٢"، المعمرون، للسجستاني "٣٨"، "طبعة كولدتزيهر". المشرق، السنة السابعة عشرة، "١٩١٤"، "ص١٣٢"، البلدان "٢/ ٦٧٧".
٢ البكري، معجم "٢/ ٥٧٢"، "دير حنظلة".
٣ تفسير الطبري "٣/ ٢٠٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>