للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جادل بعض النصارى رسول الله في أمور الدين، ثم أسلموا. ونظرا لقلة عددهم بيثرب، لم يقاوموه هنا كما قاومه اليهود.

وطبيعي أن يتأثر نصارى الجاهلية بلغة بني إرم، فيستعملوا المصطلحات التي كانت شائعة في الكنيسة، وهي مصطلحات إرمية الأصل في الغالب: فقد كانت لغة بني إرم لغة العلم والدين عند النصارى الشرقيين. بها يقيمون طقوسهم الدينية، ومنها يترجمون الأناجيل إلى أتباعهم النصارى العرب، فدخلت بذلك إلى العربية ألفاظ إرمية ذات معان خاصة. ومنها الألفاظ التي تكلمنا عنها وألفاظ أخرى عديدة لم نتطرق إليها، لعدم وجود صلة لها بهذا الموضوع، وخشية الإطالة والخروج على صلب الموضوع. وهناك مصطلحات يونانية ولاتينية وحبشية، لها صلة بالدين والمجتمع دخلت العربية أيضًا عن طريق النصرانية، ظهر أثرها في نصارى بلاد الشام والعربية الغربية خاصة، بتأثير الاحتكاك المباشر والتبشير.

وقد عني بعض الباحثين بجمع المصطلحات الدينية المعروفة عند أهل الكتاب في الجاهلية والتي أقرها الإسلام على نحو ما كانت تعرف به، أو أعطاها معنى خاصًّا، ومن بينها عدد كبير ورد في القرآن الكريم١. ولما كانت غالبية العرب على الوثنية، وهي ديانة بسيطة قليلة الشعائر بالنبة إلى اليهودية والنصرانية، لذلك كانت هذه المصطلحات شائعة معروفة بين أهل الكتاب من الجاهليين، وقد نقلوها من اللغات الدينية التي كتب بها علماء أهل الكتاب، فهي في الغالب من أصل سرياني أو عبراني أو يوناني أو حبشي.

وقد جمع الأب "شيخو" في كتابه: "النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية" الألفاظ الخاصة بأهل الكتاب من الأبيات الواردة في دواوين شعراء الجاهلية وفي كتب الأدب، وهي أبيات منها ما أجمع الرواة وأهل الأخبار على نسبتها إلى أولئك الشعراء، ومنها ما ورد عند بعض الرواة والإخباريين ولم يرد في دواوين أولئك الشعراء، ليجعل من تلك الألفاظ دليلا على أثر النصرانية في الجاهليين، وعلى مدى تغلغلها بينهم. وهو حكم لا يمكن أن يكون سليما، إلا بعد ثبوت صحة نسبة تلك الأبيات إلى الجاهليين.


١ Noldeke, Neue Beitrage zur Semit. Sparad, s. ١. ff, J. Horovitz, Jewish Proper Names and Derivatives in Koran, ١٤٥, R. Bell, The Grigin of Islam in Its Christian Environment, London, ١٩٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>