للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان للنصرانية أثر مهم في نشر الكتابة العربية، المأخوذة عن الإرمية، بين الجاهليين، الكتابة التي تولد منها قلمنا الذي نكتب به في الوقت الحاضر. وقد وجد المسلمون في فتحهم للعراق مدارس عديدة لتعليم الأطفال القراءة والكتابة، كما أن تجار مكة ويثرب الذين كانوا يقصدون الشام والعراق وجدوا الضرورة تحتم عليهم تعلم هذا الخط، فتعلموه. ولما نزل الوحي كتب كتابه به، فصار قلم المسلمين. كما سأتحدث عن ذلك في موضوع الخط عند الجاهليين.

ولم يترك رجال الدين من النصارى العرب لنا أثر كتابيا بنبئ عن مدى اشتغالهم في علم اللاهوت وفي العلوم الأخرى، غير أن هذا لا يعني أن النصارى العرب لم يخرجوا علماء دين منهم، ولم يعطوا النصرانية رجلا منهم يخدمها ويقف حياته الروحية عليها، ففي قوائم أسماء من حضروا المجامع الدينية التي عقدت للنظر في الأمور الجدلية وفي القضايا التي تخص مبادئ الدين أسماء رجال تنبئ أنهم كانوا عربا، وقد دونت في محاضر تلك المجالس أسماء المواضع التي مثلوها من بلاد العرب، كما أن بين رجال الدين الكبار الذين نبغوا في العراق من كان أصله من الحيرة، وإذ كانت غالبية سكان هذا المدينة من العرب، فلا يستبعد أن يكون من بين هؤلاء العلماء النصارى الحيريين من كل من أصل عربي.

لقد كانت النصرانية عاملا مهما بالطبع في إدخال الآراء الإغريقية والسريانية إلى نصارى العرب، فقد كانت الكنيسة مضطرة إلىدراسة الإغريقية ولغة بني إرم، لما للغتين من قدسية خاصة نشأت من صلتهما بالأناجيل. وقد كان أثر الإرمية أهم في الكنيسة الشرقية من الإغريقية، لكونها لغة الثقافة في الهلال الخصيب في ذلك العهد. ولهذا وجدنا معظم التعابير والمصطلحات الدينية عند نصارى الشرق هي من هذه اللغة، ومنها أخذها النصارى العرب، فصارت عربية. وقد كان السريان قد نقلوا بعض مؤلفات اليونان واللاتين إلى لغتهم، ولا أستبعد نقلهم بعض تلك المؤلفات، ولا سيما الدينية منها، من هذه اللغة إلى اللغة العربية، وذلك قبل الإسلام، أو ترجمتها ترجمة شفوية لطلاب العلم من العرب ممن كانوا لا يفقهون لغة بني إرم، أو لا يلمون بها إلماما صحيحا. وإذ كانت هذه اللغة لغة مقدسة لغة بني إرم، أو لا يلمون بها إلماما صحيحا. وإذ كانت هذه اللغة لغة مقدسة ولغة الكنيسة الرسمية، وكان أكثر رجال الدين من بني إرم، فقد كانت هذه اللغة المقررة في الكنيسة، بها يدرس ويتباحث رجال الدين وإن كانوا عربا، على نحو ما يفعله رجال الدين المسلمين الأعاجم الذين يدرسون العربية بعلومها المختلفة

<<  <  ج: ص:  >  >>