للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملحا وكبريتا. وعندئذ يذكرون منافع هذه النار ويدعون بالحرمان من خيرها على من ينقض العهد ويحل العقد وفي حالة الحلف واليمين يقول صاحب النار للحالف: "هذه النار قد تهددتك"، فإن كان مبطلا نكل، وإن بريئًا حلف، ولذلك قيل لها "نار المهول"١. وذكروا أيضًا أن هذه النار كانت معروفة في اليمن، مستعرة دائمًا، ولها سادة سدنة وقيمون يطرحون الملح والكبريت في النار، أما السدنة فيقومون بأخذ اليمين. وكان سادتها إذا أتي برجل ليحلف، هيبوه من الحلف بها، وخوفوه من الكذب. وقد عرفت هذه النار بـ "نار التحاليف" كذلك. وقد أشار إليها الكميت بقوله:

هم خوفوني بالعمى هوة الردى ... كما شب نار الحالفين المهول

كما أشار إليها شاعر آخر هو أوس، إذ قال:

إذا استقبلته الشمس صد بوجهه ... كما صد عن نار المهول حالف٢

وذكر "الجاحظ" أن العرب "يقولون في الحلف: الدم، الدم، والهدم الهدم، لا يزيده طلوع الشمس إلا شدا، وطول الليالي إلا مدا، ما بل البحر صوفة، وما أقام رضوى في مكانه، إن كان جبلهم رضوى.

"وكل قوم يذكرون جبلهم، والمشهور من جبالهم. وربما دنوا منها حتى تكاد تحرقهم"٣.

بل زعم بعض أهل الأخبار أن حمير كانت تحتكم إلى نار كانت باليمن تحكم بينهم فيما كانوا يختلفون به. تأكل الظالم ولا تضر المظلوم. فلما اعتنق التبع "تبان أسعد"، ديانة يهود، وطلب من قومه الدخول فيها، أبوا عليه ذلك، وطلبوا منه الاحتكام إلى تلك النار في قصة يذكرونها في سبب تهود بعض حمير٤.

وللعرب نار السعالي والجن والغيلان٥. ذكروا أن الغيلان توقد بالليل النيران


١ اللسان "٥/ ٢٣٤"، "نور"، "نزهة الجليس "٢/ ٤٠٦".
٢ اللسان "٧/ ١٠٢"، صبح الأعشى "١/ ٤٠٩"، خزانة الأدب "٣/ ٢١٢"، "خوفونا"، نهاية الآرب "١/ ١٠٩ وما بعدها"، بلوغ الأرب "٢/ ١٦١ وما بعدها"، الحيوان "٤٥/ ٤٧٠".
٣ الحيوان "٤/٤٧٠ وما بعدها".
٤ سيرة ابن هشام "١/ ٢٧".
٥ الحيوان "٤/ ٤٨١".

<<  <  ج: ص:  >  >>