للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممن سجع الكهان"١. فكان للكهان أسلوب خاص في كلامهم عند التبؤ والتكهن هو أسلوب السجع. ولذلك عرف بـ "سجع الكهان". وقد امتاز سجعهم هذا باستعمال الكلام الغامض، والتعابير العامة الغامضة التي يمكن تفسيرها تفاسير متناقضة ومختلفة. وهو أسلوب تقتضيه طبيعة التكهن، لكي لا يلزم الكاهن على ما يقوله من قول ربما لا يقع، أو قد يقع العكس. ففي مثل هذه الحالة، يمكن أن يكون للكاهن مخرج باستعماله هذا النوع من الكلام.

وقد ورد أن رسول نهى عن محاكاة الكهان في سجعهم، فذكر عنه قوله: "أسجع كسجع الجاهلية"٢.

ويذكر أهل الأخبار أن "تابع" الكاهن، وهو شيطانه وجنيه، كان يسترق في الجاهلية الأخبار من السماء، فيلقي بها إلى الكاهن المختص به. فيخبر الكاهن من يأتي إليه للكاهنة. بقوا على ذلك إلى ظهور النبوة، فلما نزل الوحي انقطعت الكهانة، إذ وجد الشياطين الذين كانوا يسترقون السمع لهم شهابا رصدا. وقالوا إن قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} ٣، إنما عنى به هذا الحادث. حادث منع الشياطين من استراق السمع٤.

ويذكر أهل الأخبار أيضًا أن "القذف بالنجوم قد كان قديما، وذلك موجود في أشعار القدماء من الجهلية. منهم: عوف بن الجزع، وأوس بن حجر، وبشر بن أبي خازم، وكلهم جاهلي. وقد وصفوا الرمي بالنجوم"٥. وأن من عقائد أهل الجاهلية أن في تساقط النجوم والشهب دليل على موت عظيم أو ميلاد مولود عظيم٦. وذكر أن الرسول كان جالسا مع قوم من الأنصار إذ رمي بنجم فظهر نوره، فقال لهم: "ما كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمى به في


١ تفسير الطبري "٢٩/ ٤٢".
٢ البيان والتبيين "١/ ٢٨٧".
٣ سورة الجن، رقم ٧٢، الآية ٨ وما بعدها.
٤ تفسير الطبري "٢٩/ ٦٩ وما بعدها"، الكامل، لابن الأثير "٢/ ١٠"، "المنيرية"، نهاية الأرب "٣/ ١٢٤ وما بعدها"، مفتاح السعادة ١/ ٢٩٣ وما بعدها"، تاج العروس "٩/ ٣٢٦ وما بعدها"، كهن" مروج الذهب "٢/ ١٥٢ وما بعدها".
٥ الروض الأنف "١/ ١٣٥".
٦ الروض الأنف "١/ ١٣٦ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>