للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما يعطاه الكاهن وبجعل له على كهانته، يقال له "الحلوان" و"حلوان الكاهن"، وهو شيء غير معين ولا ثابت، إنما يتفق عليه، والرأي الشائع بين العامة حتى الآن أن الكهانة لا تصدق إذا لم يعط الكاهن أو الساحر "حلوانه"؛ لأن ما يقدم إلى الكاهن لا يخصه ولا يكون له، إنما هو للرئي، والرئي لا يقوم بعمله ولا يحسن أداءه إلا بحلوان، يقبله مهما كان، وعلى الكاهن استشارة "التابع" ومراجعته فيه حتى يقنع، ويوافق على الأجر. ولما كان الإسلام قد منع الكهانة، كان من الطبيعي نهيه عن دفع الحلوان١.

والكهان إنما صاروا كهانا، أي متنبئين بالغيب، لأن "الكهنة قوم لهم أذهان حادة، ونفوس شريرة، وطباع نارية، فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في الأمور، وساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه"٢. وهذا هو تعليل إسلامي بالطبع لمصدر تنبؤ الكهان، أما رأي الجاهليين عنه، فلا علم لدينا عنه، لعدم ورود شيء منهم إلينا.

وتقدم الكهانة على القدرة الشخصية وعلى ذكاء الكاهن، لذلك لم تكن كالسدانة مثلا إرثا ينتقل من الإباء إلى الأبناء، بل كان في إمكان كل شخص يرى في نفسه القدرة على التنبؤ بالغيب والتحدث عما سيحدث للسائلين أن يدعي الكهانة وأن يعد نفسه كاهنا يتكلم باسم الأرباب، وينطق بالقوة الخفية التي توحي إليه بالتنبؤات، فيتخذ له مكانا في معبد أو في موضع آخر أو في بيته ليقصده من يريد استشارته في عظائم الأمور مهما اختلفت وتنوعت عن المستقبل وعن الأخبار وعن الأسرار والمغيبات وعن القيام بعمل من الأعمال.

وفي الأقوال المنسوبة إلى الكهان، قسم بالكواكب كالشمس والقمر وبالنجوم وبالليل وبالنهار وبالأشجار وبالرياح والكلمات وبالجبال والأنهار والطيور وبما شابه ذلك أمور طبيعة، الغرض منها التأثير في نفوس السامعين والإغراب في الكلام، ليكون بعيدا عن الأسلوب المألوفة. وقد رو الإخباريون نماذج من هذا الكلام،


١ "أعطيت الكاهن حلوانه، أي كراء كهانته"، الاشتقاق "٢/ ٣١٤"، "نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن"، إرشاد الساري "٨/ ٤٠٠"، اللسان "١٨/ ٢١١"، تاج العروس "١٠/ ٩٦"، اللسان "١٤/ ١٩٤"، "صادر" "حلو"، النهاية "٣/ ٢٥٦ وما بعدها"، مفتاح السعادة "١/ ٢٩٣ وما بعدها".
٢ عمدة القاري "٢١/ ٢٧٥"، إرشاد الساري "٨/ ٣٩٨ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>