للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من هذا السجع المعروف بـ "سجع الكهان"، نسبوه إلى أصحابه من كهان الجاهلية. وهي نسبة مهما حاولوا إثبات صحتها وصدق روايتها، فانهم عاجزون في رأيي عن إقناعنا بصحة ما يقولون. كيف حفظوا ذلك الكلام وتناقلوه بالحرف الواج بوزنه وبأسلوبه وبنصه وبفصه إلى أن أوصلوه إلى أيدي العلماء والمدونين فثبتوه بالتدوين؟ وكيف لم يخطئوا في ذلك ولم ينسوا منه حرفا، حتى لكأنه كلام مقدس وارد عن وحي سماوي، فلا بد من المحافظة على نصه وروايته على نحو ما ورد وحفظ؟ وإذا كان العلماء قد تساهلوا في رواية متن حديث رسول الله فسمحوا بالتصرف فيه بشرط المحافظة على المعنى محافظة تامة، لصعوبة التمسك برواية النص على نحو ما ورد عن الرسول. فكيف يعقل محافظة تامة، لصعوبة التمسك برواية النص على نحو ما ورد عن الرسول. فكيف يعقل محافظة الرواة على حرفية كلام الكهان على نحو ما نسب إليهم. وكلام الكهان ليس بشيء بالقياس إلى كلام الرسول، ثم إنه أقدم منه، ولم يكن مدونا ولا مكتوبا في كتاب على ما يفهم من روايات الإخباريين.

وقد كان للكهان على ما يتبين من قصص الإخباريين أثر كبير في حياة العرب قبل الإسلام. فقد كان الناس يستشيرونهم في إبرام مهمات الأمور، كإعلان حرب أو كشف عن جزيمة أو بحث عن شيء مفقود وما شاكل ذلك. لقد كانوا يستشيرونهم في الحروب، يتبؤون للناس بقرب حدوث غزو أو نزول كارثة أو خير سيقع قريبا. لقد كان هجوم بني أسد على "حجر" بمشورة الكاهن وبرأيه، وكان تركهم تميما وافتراقهم عنهم في يوم جبلة بتحذير من الكاهن كذلك١. وقد استعان النعمان أو يزيد بن عمرو الغساني بالكاهن "الخمس التغلبي"، لأخباره عمن تجاسر على ناقته فقتلها، كما استعان "عتبة بن ربيعة" في إثبات نسب ابنته "هند" منه٢.

وقد اشترك الكهان أنفسهم في الغزوات وفي الحروب. كانوا يشجعون قومهم ويحثونهم على القتال، وكان بعضهم من مشاهير الفرسان، مثل "زهير بن جناب"، و"جذيمة" العبسي، وقلطف الكاهن، والمأمور كاهن مذحج.


١ الأغاني "١٠/ ٣٦"، مروج الذهب "٢/ ١٧٣ وما بعدها"، نهاية الأرب، للنويري "٣/ ١٢٤"، صبح الأعشى "١/ ٣٩٨"، Reste, S. ١٣٦٧
٢ الأغاني "١٠/ ٢٧"، "ذكر مقتل خالد بن كلاب"، صبح الأعشى "١/ ٣٣٨ وما بعدها". Reste, S. ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>