للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن الكهان من الطبقات الدنيا عند عرب الجاهلية، ولا من سواد الناس. لقد كان منهم من هو من سادة القبيلة ومن الأشراف. ولا بد أن يكونوا من هذه الطبقة، ليكون حكمهم نافذا بين الناس بما لهم من عز ومنزلة وجاه. وقد عد الإخباريون "زهير بن جناب" رئيس كلب في جملة الكهان١. وقد كان للقبائل "كهان" تلتجئ إليهم في الملمات، لتستشيرهم وتعمل برأيهم في الغزو والحرب. يسيرون معها، وقد يقودونها في المعارك.

وقد كان لكل قبيلة كاهن منها أو عدة كهان، تلتجئ القبيلة إليهم لاستشارتهم في كل أمر عظيم يحدث لهم. ولا يشترط أن يكون كاهن القبيلة رجلا، إذ يجوز أن يكون امرأة. وكان كاهن ثقيف "قريش" عند ظهور الإسلام رجل يقال له "خطر"، وكان لجنب كاهنهم كذلك، وكان لقريش حين ظهور الإسلام كاهنة تدعى "سوادء بنت زهرة بن كلاب"، وهكذا كان شأن بقية القبائل. فلما ظهر الإسلام، ودع أولئك الكهان رئيهم وتابعهم، وكهانتهم، إذ نهى الإسلام عنها، وقد كان لبعضهم أثر معهم أثر مهم في إعداد قبائلهم للدخول في الإسلام٢.

وقد أشار بعض الكتبة الكلاسيكيين إلى وجود كهان عند العرب، كما إنه ورد في كتابات طور سيناء ما يدل على وجودهم عند القبائل٣.

ولم يكن الكاهن، كاهنا، بمعنى المخبر عن المغيبات فقط، بل كان حاكما يحكم بين الناس فيما يقع بينهم من خلاف. فالكاهن حاكم يفصل في الخصومات. وقد كان أكثر حكام العرب كهانا، يقصدهم المتخاصمون من مواضع بعيدة لما عرفوا به من إصالة الرأي، وصحة الحكم.

وقد ذكر أن الكاهن كان لا يلبس المصبغ. أما العراف فإنه لا يدع تذييل قميصه وسحب ردائه٤، ويدل ذلك على أنهما كانا يميزان أنفسهما بمميزات وعلامات وأنهما كانا يتجنبان بعض الأمور.


١ الأغاني "٨/ ٦٦، "١٥/ ٧٣"، "٢١/ ٩٩".
٢ الروض الأنف "١/ ١٣٧ وما بعدها"، مفتاح السعادة، "١/ ١١٣ وما بعدها"، نهاية الأرب "٣/ ١٢٤"، صبح الأعشى "١/ ٣٩٨".
٣ Ency. ReIigi, I,p. ٦٦٧
٤ تفسير الطبري "١٨/ ٥٧"، ثمار القلوب "١٩٣"، بلوغ الأرب "٣/ ٤٠٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>