للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي لم يكتب فيها شيئًا، وثم استقسم بها حين يريد الخروج، فإن خرج الذي يأمر بالمكث، مكث، وإن خرج الذي يأمر بالخروج خرج، وإن خرج الآخر أي المسح، أجالها ثانية يخرج أحد القدحين١. وهكذا يفعلون في سائر أمور الاستقسام.

وقد جمع المفسرون ما تمكنوا من جمعه عما علق في أذهان الناس من الأزلام، لورود الإشارة إليها ف موضعين من سورة "المائدة"٢. وأورد علماء الحديث والأخبار ما وصل إلى علمهم أيضًا من "الاستقسام" بالأزلام". ويظهر مما ذكروه أن أهل الجاهلية كانوا يقيمون في أيامهم وزنا كبيرًا للاستقسام بالأزلام لاعتقادهم أن يحكي إرادة الأرباب ويتحدث عن مشيئتها. لذلك كانوا لا يفعلون فعلا ولا يعملون عملا إلا بعد أخذ رأيها بالاستقسام. فإن جاء أمر فعلوا، وإن جاء نهي امتنعوا.

وجاء في سورة المائدة: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ} ٣، وذلك مع أمور نهى عنها الإسلام. منها تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أخل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكي، وما ذبح على النصب. وجاء ذكر الأزلام في موضع آخر من ذكر الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، حيث جعلت رجسا من عمل الشيطان، لذلك، على المسلم اجتنابها والابتعاد عنا٤. فالاستقسام بالأزلام من الأمور التي نزل الأمر بالنهي عنها في الإسلام. وقد جاء الأمر بالنهي في شريعة يهود كذلك إذ اعتبرت "رجسا"، ومن أعمال الوثنيين٥.

ويكون الاستقسام عند الأصنام في الغالب لاعتقادهم أن النتيجة تمثل إرادة الصنم ومشيئته، غي أن ذلك ليس بشرط، فقد كان أصحاب الأزلام يحملون أزلامهم معهم، ويستقسمون حث يطلب ذلك منه. فهم في ذلك مثل أصحاب


١ تفسير الطبري "٦/ ٤٢ وما بعدها".
٢ سورة المائدة، الآية ٣، ٩٠، تفسير الطبري "٦/ ٤٩"، روح المعاني "٦/ ٥٩ وما بعدها"، الطبري "٢/ ٢٤٠".
٣ الآية٤، تفسير البيضاوي "١/ ١١٨"، تفسير الطبرسي "٣/ ٢٣٨ وما بعدها". "٣/ ١٥٦ وما بعدها".
٤ المائدة، الآية ٩٣، تفسير البيضاوي "١/ ١٣٢".
٥ Hastings, p. ٥٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>