للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو في الواقع أوسع مجالا وأكثر ساحة من الطيرة، لأن التشاؤم طيرة وزيادة، وأعني بالزيادة تشاؤم المتشائمين من أمور أخرى كثيرة مثل التشاؤم من ذوي العاهات أو القبح من البشر، والتشاؤم من سماع الكلام السيء أو الأخبار السيئة عند الصباح أو من رؤية ميت أو سماع نياحة أو مشاهدة مخلوق مشوه أو سماع اسم موضع يدعو للتشاؤم أو اسم شخص فيه معنى التشاؤم وأمثال ذلك، فتكون كل هذه الأمور مدعاة للتشاؤم عند المتشائمين. "حتى صاروا إذا عاينوا الأعور من الناس أو البهائم، أو الأعضب أو الأبتر، زجروا عند ذلك وتطيروا عندها كما تطيروا من الطير إذا رأوها على تلك الحال"١.

ويقول علماء اللغة: الشؤم: خلاف اليمن. ورجل مشؤوم على قومه٢. وأصل ذلك هو أن العرب تتفاءل بالجهة اليمنى، وتتشاؤم من الجهة اليسرى، ولذلك كانت إذا أرادت أن تعمل عملا عمدت إلى "الزجر" وهو رمي الطير بحصاة، ثم يصيح الرامي، ليفزعها ويزجرها، وعندئذ يراقب حركة طيرانها، فإن تيامنت أي جرت يمنة تفاءل به، وإن تشاءمت أي تياسرت، تشاءم به. فالتيمن هو بالتيامن والتشاؤم هو بالتياسر. ولذلك قيل للكاهن "زاجر" أيضًا، "لأنه إذا رأى ما يظن أنه يتشاءوم به زجر بالنهي عن المضي في تلك الحاجة برفع صوت وشدة"٣. ولاعتماد الزاجر على الطيور في الغالب في هذا النوع من التكهن قيل له: "الطيرة". قال علماء اللغة: "وقيل للشؤم طائر وطير وطيرة، لأن العرب كان من شأنها عيافة الطير وزرجها والتطير ببارحها ونعيب غرابها وأخذها ذات اليسار إذا أثاروها، فسموا الشؤم طيرا وطائرا وطيرة لتشاؤمهم بها"٤.

ولا بد أن يكون للتطير صلة بعقيدة استحالة الأرواح طيورا بعد مفارقتها الأجساد، فقد كان من المتعارف عليه عند كثير من الشعوب القديمة أن بعض فصائل الطيور هي أرواح الموتى بعد مفارقتها الأجساد، وإنها لذلك تعي وتفهم، وأن في استطاعة بعض الناس فهم منطقها وتكليمها، ومن هنا ظهرت فكرة


١ الحيوان، للجاحظ "١/ ٤٣٨" "تحقيق محمد عبد السلام هارون".
٢ اللسان "١٢/ ٣١٤".
٣ تاج العروس "٣/ ٣٦٤"، اللسان "٥/ ٤٠٧"، "١٢/ ٣١٤" "شأم".
٤ تاج العروس "٣/ ٣٦٤"، "طير".

<<  <  ج: ص:  >  >>