للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي لغة المسند مصطلحات زراعية تعبر عن معان خاصة، وفيها مسميات لآلات وأدوات استخدمت في الزراعة, ولا بد أن تكون لهجات أهل العربية الجنوبية أوسع ألفاظًا في الزراعة من لهجات العرب الآخرين القاطنين في الأنحاء الأخرى من جزيرة العرب، بسبب تنوع الأجواء في العربية الجنوبية، وما أعقب ذلك من تنوع الزرع وطرق الزراعة فيها، أضف إلى ذلك خصب التربة ووجود الماء فيها، وجودًا لا يماثله أي مكان آخر في جزيرة العرب، فظهرت فيها ألفاظ زراعة ومصطلحات زراعية لم تعرفها عربيات بقية جزيرة العرب، اضطرت اللهجات الأخرى إلى أخذها منها، لعدم وجودها عندها، ونجد في معجمات اللغة وفي كتب النبات والأدب ألفاظًا زراعية، نص العلماء على أنها من لغات أهل اليمن.

وقد حفظت الأيام بعض الحجارة المكتوبة بالمسند، وعليها صور، أفادتنا في تكوين فكرة عن ملامح المزارع قبل الإسلام، وفي تبيين طراز معيشته، وشكل بعض ملابسه، وما شابه ذلك، وبين هذه الحجارة المصورة المكتوبة، حجر حفرت عليه صورة حراث حافي القدمين وقد ارتدى ثوبًا بلغ ركبتيه وشد وسطه بحزام وأمسك بيده اليسرى الحبل أو النطاق المتصل بالمحراث، وباليمين آلة على هيئة فأس من خشب، ربما استعملها في ضرب ثوري المحراث، أو استعملها في حفر الأرض أيضًا وفي تفتيت التراب المحفور. وقد ربط الثوران بالمحراث، وأخذا يحرثان الأرض، والفلاح يوجههما. ورسمت تحت الصورة صورة ثلاثة رجال، يظهر من ملامحهم ومن شكل ملابسهم أنهم كانوا من أصحاب الأرض.

ولأهل اليمن سبق على غيرهم من أهل جزيرة العرب في الزراعة، وهم حتى الآن على ما كانوا عليه من ميل إليها، ويشتغل عدد منهم اليوم في المملكة العربية السعودية أجراء لغيرهم في زراعة الأرض، أو مشاركون لأصحاب الأرض في الحاصل، أما الأعراب، فكانوا يزدرون شأنها، وينقصون من قدر المزارع "الخضار". ونجد هذه النظرة الازدرائية إلى المزارع عند أهل الحضر أيضًا، حتى أن بعض الصحابة كرهوا تعاطي العمل في الأرض، حتى بعد الفتح، تارركين ذلك إلى أهل الذمة. روي عن "أبي أمامة الباهلي" أنه قال، إذ رأى سكة وشيئًا من آلة الحرث، فقال: سمعت النبي يقول: لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الذل. قالوا في تفسيره: "لما يلزمهم من حقوق الأرض التي يزرعونها، ويطالبهم بها الولاة، بل ويأخذون منهم الآن فوق ما عليهم بالضرب والحبس،

<<  <  ج: ص:  >  >>