للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبل ويجعلونهم كالعبيد أو أسوأ من العبيد، فإن مات أحد منهم، أخذوا ولده عوضه بالغضب والظلم، وربما أخذوا الكثير من ميراثه ويحرمون ورثته، بل ربما أخذوا من ببلد الزارع فجعلوه زراعًا، وربما أخذوا ماله"١. وهو تفسير فيه شيء من التكلف، يفصح عن كراهية القوم للزراعة أكثر من المعنى المذكور، وأما الحديث نفسه، من حيث الصحة أو الضعف، فللعلماء كلام فيه، وفي كتب الحديث أحاديث أخرى تحث على الزراعة والزرع.

وورد في الحديث أن الرسول كان يحدث جمعًا من الصحابة عن الجنة، وعن رجل زرع في الجنة فاستوى نباته، وعنده رجل من أهل البادية، فلما انتهى الرسول من كلامه، قال الأعرابي: "والله لا تجده إلا قرشيًّا أو أنصاريًّا، فإنهم أصحاب زرع. وأما نحن، فلسنا بأصحاب زرع"٢.

وكراهة الزرع، كراهية نشأت من عدم توفر الماء والأرض لأكثر الناس، فصاروا يكرهونها، أما الذين ملكوهما فلم يزدروها ولم يغضوا من شأنها، والأعرابي لا يملك شيئًا، فصار يكره كل شيء لا يملكه ولا يقدر عليه، من زراعة ومن حرف ومن قيود اجتماعية ومن تنظيم، ومن كل ما يخالف مألوفه من عرف وتقاليد. ولذلك صارت الزراعة من عمل أهل المدر، وعمل كل من وجد لديه الماء الوافر، ليأخذ منه ما يلزمه للزرع، وسادت القبائل، الذين توفر الماء عندهم، أو كان لديهم المال لتشغيله في البحث عن الماء، زرعوا مثل أهل الحضر، وشغلوا العبيد وأتباعهم في الزراعة، لما وجدوا فيها من مكسب وربح، وكان للكثير منهم زرع وحوائط.

ونظرًا لتغير الحال عند العرب في الإسلام، وظهور الدعوة فيه إلى الأمة والجماعة، فقد حث الرسول المسلمين على الزرع، وظهر من روى عن الرسول أنه قال الزراعة أفضل المكاسب، وذلك لما فيها من عموم الانتفاع، حتى أن منهم من فضلها على التجارة للتوسعة على الناس، ولما للقوت الذي يأتي منها من صلة بحياة الناس٣. ومع ذلك، فقد بقي العرف الجاهلي مسيطرًا على عقلية السادة


١ إرشاد الساري "٤/ ١٧٢".
٢ إرشاد الساري "٤/ ١٩٠".
٣ إرشاد الساري "٤/ ١٧١"، "ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو انسان أو بهيمة إلا كان به صدقة"، صحيح البخاري "كتاب المزارعة وفي كتاب الأدب في باب رحمة الناس والبهائم"، صحيح مسلم "كتاب البيوع في باب فضل الغرس والزرع"، زاد المسلم "٢/ ٣٣٣ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>