للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحق هو أن هذا الخطأ لم يقع في ضبط الأسماء فقط، بل وقع في أمور جوهرية أخرى ترينا جهل بعض الرواة بجدول الأنساب، وترينا الخلط أحيانا بين الروايات الإسرائيلية والروايات الإيرانية حتى تكوَّن من هذا المجموع المدون في الكتب الإسلامية عن الأنساب خليط من روايات إسرائيلية وروايات فارسية وقصص شعبي عربي، يجوز أن نضيف إليه عنصرًا آخر هو الوضع، فقد وضع الرواة شيئا من عندهم حين عجزوا عن الحصول عليه من الموارد الثلاثة المذكورة، وكان لا بد لهم من سد تلك الثُّغَر، فسدوها بما جادت به قرائحهم من شعر ونثر. ومن هذا القبيل، ما أدخلوه على التوراة أيضا من أنسابٍ زعموا أنها وردت في التوراة، وليس لها في الواقع وجود فيها.

خذ آدم، فقد صيره الأخباريون "كيومرث"١ وهو من الفرس، وخذ نوحًا تَرَ أنه صار "أفريدون" عند أهل الأخبار وهو من الفرس أيضا٢، وجعلوا "لاوذ" ابنًا من أبناء إرم من سام أخي عوص وكاثر٣، مع أنه "لود" في التوراة، وهو شقيق إرم بن سام ووالد عوص وجاثر٤، وقالوا أشياء أخرى لا وجود لها في التوراة.

أما متى دخلت أنساب التوراة إلى العرب، ومتى ظهرت وشاعت بينهم، فنحن لا نستطيع أن نحدد ذلك على وجه مضبوط بالقياس إلى أيام الجاهلية. ولكننا نستطيع أن نقول: إنها كانت قد تسربت إلى الجاهليين من اليهود، وذلك بوجودهم في الجزيرة العربية واتصالهم بالعرب، وقد يكون من النصارى أيضا، وقد تفشت في أماكن من جزيرة العرب وبين بعض القبائل، وإن هؤلاء أي: أهل الكتاب, هم الذين أشاعوا بين الجاهليين هذه الأنساب. وقد تكون لليهود يد في إشاعة خبر رابطة النسب وأواصر القربى التي تربط بينهم وبين العرب؛ وذلك للتأثير عليهم وللتقرب منهم، وللسكن بينهم بهدوء وسلام.

ونستطيع أن نقول جازمين: إن هذا القصص الإسرائيلي، وهذه الأنساب التي يرويها أهل الأخبار، لم تكن كثيرة الشيوع بين الجاهليين، وإنما هي شاعت


١ ابن خلدون "٢/ ٥".
٢ ابن خلدون "٢/ ٦".
٣ ابن خلدون "٢/ ٧".
٤ التكوين، الإصحاح العاشر، الآية ٢٢، أخبار الأيام الأول، الإصحاح الأول، الآية ١٧، Hastings, P. ٥٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>