للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على تقديس بئر زمزم. ولا يقدر أهمية البئر حق قدرها إلا قطان هذا البلد الكائن في واد غير ذي زرع وماء، ولولا زمزم والآبار الأخرى التي احتفرها أهله، والآبار والعيون الواقعة في أطرافه، يحملون منها الماء إلى بلدهم حملًا، لهلك أهله، أو هجروه. ولا يدرك المرء قيمة الماء إلا إذا كان في صحراء فقرة لا ماء فيها ثم نفد ماؤه. ولهذا كان الغيث رحمة عظمى للأعراب، يغيثهم بعد أن يتعرضوا للجدب والهلاك.

ولا غرابة بعد ذلك، إذا رأينا العرب تقول في دعائها على الإنسان: ما له أحر الله صدره، أي أعطشه. وفي الدعاء: سلط الله عليه الحرة تحت القرة! يريد العطش مع البرد، ورماه الله بالحرة والقرة، أي بالعطش والبرد. وقالوا: أحر الرجل، فهو محر: عطشت إبله١. وأي شيء أعظم مصيبة وخطرًا على الإنسان من العطش في أرض حارة!

وتعد بقاع جزيرة العرب من الأرضين الجافة، فالأمطار فيها، ولا سيما أقسامها البعيدة عن البحر شحيحة، والأنهار الكبيرة معدومة فيها، والعيون قليلة أيضًا، وجوها جاف لا نكاد نستثني منها إلى سواحلها، وهذا لجفاف صير القسم الأكبر من أرضها صحاري قاحلة تكسوها طبقة غليظة من الرمال في بعض الأماكن مثل الربع الخالي، كما جعلها غير قابلة للزرع. على أن من الممكن أن تبعث الحياة في مناطق واسعة شاسعة من هذه الأرضين، فتجعل أرضين منتجة مخصبة نافعة، إذا اتبعت الأساليب العلمية في معالجة الأرض، وفي استنباط الماء، وفي السيطرة على الأمطار والسيول التي تنشأ منها في بعض الأحيان وتغور في الرمال دون أن يستفاد منها، بإقامة السدود والحياض الصناعية التي تخزن فيها إلى وقت الحاجة، وذلك كما فعل الجاهليون في بعض الأماكن، وخاصة في العربية الجنوبية، من إقامة سدود تحجز السيول وتحبسها، فإذا انقطعت الأمطار وحل الجفاف استفيد منها في الإرواء.

ونجد في بطون الكتب أسماء مواضع عديدة كبيرة كانت ذات عيون ومياه وآبار ونخيل وأناس عند ظهور الإسلام٢. وهي اليوم صحاري خالية أو مواضع صغيرة لا أهمية لها. وذلك بسبب إهمال الإنسان لها واعتدائه عليها، وتحول


١ اللسان "٤/ ١٧٨ وما بعدها". "حرر".
٢ ابن المجاور "١/ ٩، ١٦ وما بعدها، ١٣٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>