للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن من السهل في ذلك الزمن حفر الآبار، لعدم توفر الآلات والأدوات الفنية. فإن حفر البئر على عمق بعيد الغور كما تتطلبه الأماكن المرتفعة يحتاج إلى آلات كثيرة وإلى علم وتدبير وفن وذكاء في محافظة جدران البئر من الانهيار على الحفارين، وعلى الماء بعد الانتهاء من الحفر، فتندثر ويذهب المجهود في حفرها عبثًا. هذا ولا بد لمهندس الآبار من معرفة بطبيعة الأرض ومظنة وجود الماء فيها أو عدمه ومدى عمقه، فلا يعقل إقدام شخص على حفر بئر في أرض لا يعرف من أمرها شيئًا. وحفر البئر في النجاد عمل مكلف باهظ، فلا بد إذن من تخصص أناس بهندسة الآبار، ليقوموا بهذا العمل الذي لا يمكن القيام به ما لم يسنده علم وفهم.

وقد تخصص أناس بحفر الآبار واختيار المواضع التي يحتمل وجود المياه العذبة بها. ولهم في ذلك علم ودراية وخبرة. وكانوا إذا قربوا من الماء احتفروا بئرًا صغيرة في وسط البئر بقدر ما يجدون طعم الماء، فإن كان عذبًا حفروا بقيتها، ولذلك يقال "التعاقب" و"الاعتقام"١. فالاعتقام "إذن عملية تجريبية لاختبار طعم ماء البئر وتجربته من حيث العذوبة والملوحة وعليها تتوقف عملية الحفر.

ومتى حفرت البئر ووصل إلى الماء، قيل: أمهت البئر، وأموهت، وأمهيت، ويقال ابتأرت بئرًا، أي حفرتها. ويقال أيضًا: حفرت البئر حتى نهرت، أي بلغت الماء. وإذا بلغ الحفارون الأرض الغليظة قيل: بلغت الكدية. وإذا وصلوا موضعًا صعبًا فصعب الحفر، قيل: بلغ مسكة البئر. ويقال أجبلت، أي انتهيت إلى جبل. ويقال الصلود، وهي الأرض التي تحفر فيغلب جبلها الحافر. فيصلد الحفر على الحافر لصعوبة الأرض. وإذا حفر الحفارون حتى يبلغوا الطين، فيقال عندئذ: أثلجت، فإذا بلغ الماء، قيل: أنبط ونبط. والنبط أول ما يظهر من ماء البئر حين تحفر. وإن بلغ الرمل، قيل: أسهب، وإن انتهى إلى سبخة، قيل: أسبخت. ويقال: تأثل البئر إذا حفرت البئر، وهزمت البئر حفرتها٢.

ويتحايل الحفارون في الحفر إذا فوجئوا بصخرة أو أرض صلدة، تمنعهم من


١ تاج العروس "٨/ ٤٠٣"، المخصص "١٠/ ٤١".
٢ المخصص "١٠/ ٤٠ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>