للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذه الآية إشارة إلى حادث انفجار سد مأرب كما يذهب إلى ذلك المفسرون.

وتولت الحكومات في اليمن إنشاء السدود وحفر القنوات والسواقي، وأنفقت على الأعمال من أموالها، وقدمت المواد الغذائية وبعض الأجور إلى العمال. وكانت تطلب إلى سادات القبائل والقرى تقديم الرجال للعمل وتقوم هي بإعاشتهم طوال أيام عملهم، كالذي ورد في نص "أبرهة" عامل الحبشة على اليمن، فقد كان يقدم الطعام إلى العمال لقاء اشتغالهم ببناء السد. وقد ذكر مقدار ما قدمه وما صرفه عليهم من طحين وبر وتمر ولحم وقد يشغل العمال سخرة، فلا تدفع الحكومة أو سيد القبيلة أو الموضع إليهم شيئًا. وقد كانت السخرة شائعة في ذلك العهد، لا في اليمن حسب، بل في العالم القديم كله، فيسخر العمال بتكسير الحجارة واقتلاعها من المحاجر ونقلها إلى الأماكن التي يراد إقامة السدود أو منشآت البناء فيها أو غير ذلك، ثم بإصلاحها وببقية أعمال البناء اللازمة، إلى أن تنجز، وعندئذ يسمح لهم بالانصراف إلى حيث يشاؤون.

وفي الحالات الاضطرارية يحشر الناس حشرًا، كما في الفيضانات المفاجئة التي تنشأ عن السيول. فتحشر الحكومة ورؤساء المدن والعشائر كل من يجدونه أمامهم للعمل على إنشاء الحواجز والسدود وفتح المجاري لمرور المياه لإنقاذ الأرواح والأموال من الكوارث والأضرار.

وقد تتولى المعابد هذه الأعمال، فتصرف عليها من واردها، تعد ذلك هبة أو دينًا تتقاضاه من أصحاب الأرض ومن المستأجرين في المدن والقرى، كما يتولاها أيضًا رؤساء القبائل، بأن يكلفوا القبيلة القيام بذلك العمل، مقابل تعهدهم بتقديم الطعام للمشتغلين به، وقد يكلفونهم ذلك سخرة مستخدمين حق القوة التي يتمتعون بها إن كانوا رؤساء أقوياء.

وفي كتب أهل اللغة والأخبار تعابير عديدة عن سيل السيول، وأثرها في الأرض وجرفها التربة وما عليها، وتفتيتها أشفار الأودية والأماكن التي تنحدر منها وكيفية قلعها الأشجار والصخور١. يظهر منها كلها أن أثر السيول كان شديدًا مؤذيًا، وهو ما زال على أذاه إلى هذا اليوم.


١ المخصص "٩/ ١٢٦ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>