للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان قد ذكر أن رئيس "معافر" كان يحكمها بموجب حق قديم. وأن أهل مدينة "Muza" يحكمونها باسمه، ويبعثون إليها بسفن تجارية يديرها ربابنة ووكلاء عرب ألفوا أهل البلاد، واختلطوا بهم، وصاهروهم، وخبروا الساحل، واطلعوا على لغتهم١.

إن خلو كتابات المسند من كل إشارة إلى البحر وإلى السفن وإلى الاتجار مع الأقطار الواقعة على السواحل، لأمر يؤسفنا كثيرًا، فقد حرمنا الكلام على البحرية العربية وعلى علم العرب الجنوبيين بالبحار، وبات علمنا بالتجارة علمًا ضئيلًا محدودًا، وليس لنا إلا التطلع إلى المستقبل، فهو وحده الكفيل بزيادة علمنا في هذا الموضوع.

وقد كان أكثر ثراء العربية الجنوبية من التجارة، التجارة البرية والتجارة البحرية، والاتجار بالمواد الناتجة في جزيرة العرب ذاتها، والاتجار بالمواد المستوردة من الخارج ولا سيما السواحل الإفريقية أو الهند.

وقد كان الاتجار مع إفريقية سهلًا يسيرًا بالنسبة إلى تجار العربية الجنوبية، ولا سيما تجار اليمن. فإن الشقة بين سواحل إفريقية وسواحل اليمن ليست واسعة كبيرة، ولهذا كان في استطاعة السفن الشراعية أن تقطعها بدون مشقات وصعوبة كبيرة. تذهب إلى أفريقية تحمل إليها حاصلات اليمن، ثم تعود إليها وهي محملة بالبضائع الإفريقية الثمينة، مثل الأخشاب والعاج، وببضاعة ثمينة أخرى: بضاعة حية تتحرك وتنطق، هي الزنوج. يستوردونهم شراء من أسواق النخاسة، أو اقتناصًا من السواحل، لحاجة البلاد إلى استخدامهم في الإنتاج وفي أداء الخدمات التي يأنف العربي عادة من القيام بها. وقد كان هذا الوارد عصبًا حساسًا في الإنتاج في ذلك العهد.

ولم ترد في كتابات المسند التي عثر عليها في جزيرة العرب وياللأسف معلومات عن أسفار العرب البحرية، لا إلى سواحل أفريقية ولا إلى سواحل الهند وجنوب إيران. ولكن وجود السبئيين في الساحل الإفريقي وتكوينهم حكومة هناك، ثم احتلال الحبش للعربية الجنوبية الغربية مرارًا، وذهاب المسلمين الأوائل مهاجرين إلى الحبشة، وحث الرسول لهم على الذهاب إلى أرض الحبشة؛ لأن بها ملكًا


١ Periplus, ٧, ١٠, ١٤, ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>