لا يظلم عنده أحد. وهي أرض صدق١. وذهاب المسلمين إلى مرسى "الشعيبة" للسفر منه بسفن التجار إليها، كل ذلك دليل على وجود اتصال بحري بين إفريقية واليمن.
وقد أشرت في الجزء الثاني من هذ الكتاب، إلى عثور العلماء على كتابات معينة في جزيرة "ديلوس" Delos من جزر اليونان، وهي نصوص ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلى بحثنا هذا، فإنها ترينا وصول المعينيين إلى هذه الجزيرة وإقامتهم فيها، واتجارهم مع اليونان، ومن يدري، فلعلهم كانوا قد توغلوا شمالًا أيضًا، ونزلوا بلاد اليونان، وتاجروا هناك، ومع شعوب أوروبة في ذلك العهد. وقد ورد في نص من هذه النصوص:"هنا" أي "هانئ"، و"زيد ايل" من "ذي خذب"، نصبا مذبح ود وآلهة معين بـ"دلث"، أي بـ"ديلوس" وقد كتب بالمسند، وباليونانية، وقد جاء في النص اليوناني:"يا ود إله معين يا ود". وفي هذا النص والنصوص الأخرى دلالة على وجود جالية معينية في هذه الجزيرة وسكناها فيها، وعلى تعلقها بدينها وبآلهتها وعدم تركها لها حتى في هذه الأرض البعيدة عن وطنها. ومن يدري؟ فلعلها كانت على اتصال ببلادها، وكانت تتجر معها، فترسل إليها حاصلات اليونان ومنتوجات أوروبة، وتستورد منها حاصلات اليمن والعربية الجنوبية وأفريقية والهند.
وقد أشرت في ذلك الجزء أيضًا إلى عثور العلماء على كتابة معينية بمصر، كتبت حوالي سنة "٢٦٣"، قبل الميلاد، وذلك بالجيزة. وهي كتابة قصيرة، ولكنها ذات أهمية كبيرة؛ لأنها تشير إلى وجود المعينيين بمصر في ذلك العهد. وعن وجود صلات تجارية ربطت بين مصر وجزيرة العرب من البر والبحر. وهي تتحدث عن رجل اسمه "زيد بن زيد ايل" من "آل ظبرن"، اعترف بوجود دين عليه وواجب هو توريد وتزويد "ابيتت الالت مصر"، أي "بيوت آلهة مصر"، أو "معابد آلهة مصر" بـ"امررن وقلمتن""قليمتن"، أي بـ"المر والقليمة". ويقصد بلفظة "قليمتن""قلمتن"، ما يقال له "Calamus" في الانكليزية و"Kalamus" في الألمانية، ويراد به ما يقال له قصب الذريرة أو قصب الطيب. و"امررن"، بمعنى "المر"، وهو معروف مشهور