للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أضاف "ابن الكلبي" إلى سلسلة أبناء "يقطن" "يقطان" ولدًا آخر لم يرد له ذكر في التوراة، دعاه "توقيرًا"، زعم أنه والد الهند والسند١، فربط بذلك بين نسب "اليقطانيين" والهنود. ولا ندري: أعبر عن ذلك جهلا واعتباطا، أم كنى بذلك عن الروابط القديمة التي ربطت بين العربية الجنوبية والهند، حيث سكن عدد كبير من قدماء الهنود "الدراويديين" "Dravidians" في سواحل عمان وحضرموت؟ وقد عثرت البعثات العلمية التي نقبت في هذه الأماكن على بقايا هياكل عظمية ترجع إلى هؤلاء، كما يتحدث السياح والباحثون في أثر دماء الهند على سكان هذه المناطق.

ولم ينل هؤلاء الأولاد الثلاثة عشر عناية الإخباري "ابن الكلبي"، ولا عناية "محمد بن إسحاق"، أو غيرهما من أهل الأخبار المعروفين بأخذهم عن أهل الكتاب؛ إذ لم يشيروا إليهم في أثناء كلامهم على أولاد "يقطن" "يقطان"، ولم يتحدثوا عنهم, بل نسبوا إليه أولادًا آخرين تراوح عددهم من عشرة ذكور إلى واحد وثلاثين٢، أسماؤهم أسماء عربية، لا وجود لها في التوراة، ما عدا اسمًا أو اسمينِ. وهذا الإهمال يثير في نفوسنا الدهشة والاستغراب: لِمَ أهمل -يا تُرَى- هؤلاء الأخباريون أبناء "قحطان" المذكورين في التوراة، مع أنهم أخذوا "يقطان" من التوراة، وجعلوا نسبه نسبًا لقحطان؟! ولِمَ تكرموا عليه فأعطوه عددا من الأولاد لم يأت لهم ذكر في التوراة؟! ولِمَ لَمْ يضم أهل الأخبار أولاد "يقطان" المذكورين إلى أولاد قحطان؟! ألا يدل ذلك على جهل أهل الأخبار بهم وعدم وقوفهم عليهم؟! إن كان جهلهم بهم هو السبب، فإن ذلك يدل على أن أهل الأخبار لم يكونوا يرجعون إلى التوراة رأسًا، يقرءون أسفارها ويأخذون منها, بل كانوا -وهذا هو ما أذهب إليه- يراجعون أهل الكتاب ويأخذون منهم ما يريدون؛ ولهذا لم يقفوا على أولاد "يقطان"؛ لأنهم لم يسألوا أهل الكتاب عنهم، أو لأن أهل الكتاب لم يتحدثوا إليهم عنهم. على أننا لا نستطيع أن نقبل هذا العذر؛ ذلك لأن أهل الأخبار كانوا قد ذكروا أسماء أبناء "إسماعيل"، نقلوها من التوراة وعلى حسب الترتيب الوارد في


١ الطبري "١/ ٢٠٧" Hastings, P. ٤٧٢
٢ مروج "١/ ٧٧"، ابن خلدون "١/ ٤٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>