كثيرة كبيرة قوية في ذلك العهد، وأنهم كانوا قد تركوا البحر إلى غيرهم منذ عهد قبل الإسلام.
ويعود تفوق سفن اليونان والرومان على السفن العربية في البحار إلى ما قبل الميلاد. لا بل نستطيع أن نرجع هذا التفوق إلى ما قبل أيام اليونان والرومان، نستطيع أن نرجعه إلى أيام المصريين. فقد ورد في أخبارهم أنهم أرسلوا سفنهم إلى البحر الأحمر فوصلت إلى السواحل الإفريقية، وأنهم كانوا قد حفروا قناة لتصل بين نهر النيل والبحر الأحمر، فيكون في وسع السفن القادمة من البحر الأبيض من اليونان أو من إيطاليا أو من أي مكان آخر دخول نهر النيل والمرور من القناة إلى البحر الأحمر ثم إلى المحيط للاتجار مع أسواق البلاد الحارة، والعودة من تلك الأسواق بحاصلات آسيا وإفريقية إلى أوروبة. وهو مشروع يدل على ذكاء وحنكة في السياسة، مهد الدرب لمشروع قناة السويس الحديث.
ولما استولى "دارا""داريوس" على مصر، قرر إعادة ذلك المشروع المصري القديم، الذي كان قد اندثر وأكلته الرمال، بأن أمر بشق قناة تصل النيل بالبحر الأحمر عن طريق الفرع البلوزي أحد فروع النيل القديمة، بالقرب من الزقازيق، مخترقة وادي الطميلات ثم البحيرات إلى السويس. وهو مشروع يدل على ذكاء ذلك الملك وإدراكه لأهمية ربط البحرين بطريق مائي، وإلى ما فيه من فوائد في السياسة وفي الاقتصاد وفي الناحية العسكرية.
ووضع "الإسكندر" الأكبر مشروعًا خطيرًا آخر يفوق كل ما وضع من قبله من مشاريع. فقد وضع خطة السيطرة على المياه الدافئة بالسيطرة على سواحل جزيرة العرب، وذلك بالاستيلاء عليها، ويكون بذلك ملك أكبر انبراطورية عرفت حتى ذلك اليوم تمتد من الهند إلى مصر وما وراء مصر من أرضين١. وقد كلف قواده بالالتفاف حول جزيرة العرب، وباشروا بتنفيذ الأمر بالفعل، وقد رأينا قائده "نيرخوس" "Nearchus" على رأس أسطول ضخم، لعله أعظم أسطول شاهده الخليج والبحر العربي حتى ذلك العهد. وقد رأينا كيف قرر الإحاطة بجزيرة العرب من الجنوب والغرب بالسيطرة على سواحلها وإنشاء أسطول يمخر المياه المحيطة بها، بعد أن هيمن على السواحل الشرقية. وقد استعان