للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه بخبرة الفينيقيين وعلمهم بالبحر. نقلهم إلى هذه المياه وكلفهم بناء السفن له، وبإدارتها له. ولو قدر للإسكندر أن يعيش طويلًا لتحقق مشروعه الضخم، ولكن القدر قضى عليه مبكرًا، فمات مشروعه معه، ولم يكن لخلفائه ما كان لسيدهم من عزم، فتركوا المشروع، ولم يتحمسوا له١.

وقد أدرك البطالمة قيمة القناة القديمة التي كانت تربط النيل فالبحر المتوسط بالبحر الأحمر، فأمر "بطلميوس الثاني" "١٨٥-١٤٦ق. م" بإعادتها، ومكن بذلك تجاره من دخول البحر الأحمر ومن نقل التجارة من أسواقها الأصلية إلى مصر، ومنها إلى أسواق اليونان والرومان وسائر بلاد أوروبة بالطرق المائية، وضبط بذلك الممر المائي العالمي القديم، هذا الممر الذي فتح ذهن "دلسبس" فيما بعد فجعله يفكر في موضع أصلح رآه في المكان الحالي المعروف بـ"قناة السويس"، القناة العالمية التي تلعب اليوم دورًا خطيرًا في الاقتصاد العالمي وفي السياسة الدولية والموقف الحربي للدول. وعين البطالمة موظفين خاصين مهمتهم الإشراف على إدارة التجارة البحرية وسير السفن. فنجد في كتابة تعود إلى سنة "١٣٠" قبل الميلاد إشارة إلى موظف كان مسؤولًا عن سير السفن وعن الطريق الصحراوية الممتدة إلى قفط، ونجد أخبارًا تعود إلى ما بين سنتي ١٢٠ و١١٠ قبل الميلاد تتحدث عن سفن كانت تسير بين مصر والهند، كما نجد فيها وفي نصوص تعود إلى عهود متأخرة عن هذه إشارات إلى وجود موظفين مسؤولين عن البحرين الأحمر والهندي٢.

وقد كان لوقوف "هيبالس" "Hippalus"، وهو أحد اليونان أو الرومان على سر الاستفادة من الرياح الموسمية في تسيير السفن وفي تقصير الوقت في قطع المسافات، وفي تمكينها من الابتعاد عن أخطار السير في محاذاة السواحل أهمية كبيرة في تطوير فن الملاحة الأوروبية بالنسبة لذلك العهد٣. ويمكن اعتبار وقوف هذا الملاح على هذا السر من أهم الأحداث البارزة التي حدثت في ذلك العهد والتي مكنت الغربيين من التوفق في البحر بالنسبة لتلك الأيام. أضف إلى


١ Arrianus, Anabasis, Vii, ١٩, ٢٠.
٢ حوارني "ص٦٦".
٣ Pliny, Vi, ٢٦, Tarn, The Greeks In Bactria And
India, P.٣٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>