للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثورة عامة على الحبش. ولو كان للحبش أو لحلفائهم البيزنطيين أساطيل من السفن المحاربة القوية، لما تمكن الفرس من الاستيلاء على اليمن بتلك القوة الضعيفة!

ولم يكن الساسانيون أقوياء في البحر عند ظهور الإسلام، وآية ذلك وأن عاملهم على اليمن، كان يرسل ألطاف اليمن وما يجمعه منها إلى "كسرى" عن طريق البر، وقد تحدثت عن تعرض "بني تميم" بقافلة كسرى التي كانت قادمة من اليمن في طريقها إلى "المدائن"، ولو كان للفرس أسطول قوي من سفن ضخمة على نمط سفن البيزنطيين، لاستخدموه واسطة للنقل بين اليمن والعراق، ولسمعنا بوجوده في البحر. وقد يقال إن الفرس استخدموا البر؛ لأنه أسهل عليهم من البحر، وأقصر مسافة وأسرع من حيث الوقت، ثم هو يمر بأرضين صديقة للفرس أو موالية لهم، أو تابعة لأمراء موالين لهم، خاضعين لسيادتهم، وليس في ذلك دليل على عدم وجود أسطول قوي لهم في البحر، ولكننا مع موافقتنا على هذا التعليل، فإننا لا نسمع في أخبار أهل الأخبار المنقولة من روايات فارسية أصلية، ما يفيد بوجود فعل وأثر لأسطول ساساني ما وراء عمان إلى السواحل الإفريقية، ثم إن الفرس كانوا قد تحكموا في السواحل العربية الجنوبية قبل فتحهم لليمن، ولكنا لا نجد في هذا العهد أثرًا لحكم فارسي على السواحل العربية الجنوبية، مما يدل على زوال حكمهم عنها وعدم وجود أسطول ساساني في مياه السواحل، فتخلصت منهم، واستقلت بأمرها وإدارتها.

وقد استفاد أهل مكة، من الأحداث التي وقعت في اليمن، ولا سيما بعد موت أبرهة وموت مشروعه في الاستيلاء على مكة قبل وفاته. وإني أرى أن حملة "أبرهة" على مكة، لم تكن حملة غايتها هدم الكعبة، ونقض قواعدها، كما يذكر ذلك أهل الأخبار، وإنما كانت لدوافع اقتصادية وسياسية، فقد كانت مكة قد برزت وظهرت إلى الوجود، قبل أبرهة، واستغل أهلها مواهبهم وذكاءهم في كيفية جمع المال، حتى صاروا تجارًا ووسطاء في التجارة، يتاجرون بين بلاد الشأم واليمن، وبين الحبش والعراق، وصاروا أصحاب مال، لهم نقود: دنانير، ودراهم، وذهب، وفضة، وغير ذلك مما يسيل له لعاب التاجر وصاحب المال، أضف إلى ذلك وقوع مكة في موقع مهم، والاستيلاء عليه يمهد للسير نحو بلاد الشأم، للاتصال بالروم، أصحاب مشروع الحملة الأصليون،

<<  <  ج: ص:  >  >>