للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما تحدثت عن ذلك. فالعوامل إذن اقتصادية سياسية، وليست العوامل التي ذكرها أهل الأخبار.

وقد ساهم أهل الهند في تسخير البحر كذلك، فكانت سفنهم تمخره ما بين الهند وساحل الخليج إلى "الأبلة"، كما كانت تتجه نحو "سقطرى" وسواحل إفريقية الشرقية، فقد ذكر أهل الأخبار أن "بوارج الهند" كانت تتاجر مع هذه الجزيرة١. وقد مونت الهند جزيرة العرب بالحديد الجيد، الذي صنعت منه السيوف الهندوانية، نسبة إلى الهند. و"التهنيد"، عمل الهند. كما مونتهم بالعود الطيب، وبالخشب الصلد٢.

وبظهور الإسلام، وباستيلاء المسلمين على مصر وعلى شمالي إفريقية، وبفتح بلاد الشأم والعراق وإيران وما وراء إيران تغير الحال بالطبع، فماتت الإنبراطورية الساسانية، ومات أسطولها معها، وانقطعت صلة البحرية البيزنطية بالبحر الأحمر وبالمحيط الهندي، وأبعد الأوروبيون من البحار الدافئة إلى أن تبدلت الدنيا مرة أخرى، فظهر المكتشفون الأوروبيون وفي مقدمتهم البرتغال، فعاد التفوق البحري للغرب، وانتزع البحر من البحرية الإسلامية؛ لأنها ظلت جامدة محافظة لم تحدث تغييرًا في هندسة السفن، ولا في أسلوب القوى المحركة لها وفي قابليتها على الحركة، فصارت عاجزة عن مقاومة العقل الحديث، وغلبت على أمرها نتيجة جمود العقلية وعدم التطور مع عقلية الزمن.

هذا ولا بد لي هنا من لفت نظر القارئ إلى ورود شيء في كتب أهل الأخبار عن حملات الروم على بلاد العرب وعلى البحر الأحمر، ولو أن هذا المذكور المدون في كتبهم، هو من نوع القصص المعروف المألوف الذي ألفنا قراءته في كتب أهل الأخبار، فيه مبالغة وغرابة وخيال، وفيه سذاجة تنم عن عقلية سطحية تروي كل ما يقال لها من غير نقد ومناقشة. وقد أخذ من أهل الكتاب وفي الإسلام في الغالب. ولكنه قصص يستند –على كل حال- إلى أصل وسبب وإن كان بعيدًا. ثم إنه قصص طريف يريك مبلغ علم القوم بأحوال الماضين، وكيف يروون قصص الحوادث المتقدمة وينقلونه على أنه تأريخ للماضين ويكاد يكون أكثر تأريخ من تقدم زمن الإسلام من هذا النوع.


١ البلدان "٥/ ٩٣".
٢ تاج العروس "٢/ ٥٤٧"، "هند".

<<  <  ج: ص:  >  >>