للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عير، هرعوا نحوها يلتمسون خبرها. فلما أقبلت من الشأم عير لدحية بن خليفة الكلبي، أو لعبد الرحمن بن عوف، تحمل زيتًا أو طعامًا، وكان رسول الله يخطب يوم الجمعة، والناس خلفه صفوفًا، فلما سمعوا بها، جعلوا يتسللون ويقومون إليها، خشية أن يسبقوا إليها، فتباع، حتى بقيت منهم عصابة اثني عشر رجلًا وامرأة. وكانوا إذا أقبلت العير، استقبلوها بالطبل والمزامير والكبر والتصفيق. فلما نظر رسول الله إلى المصلين وقد انفضوا من حوله، عنفهم ووبخهم، ونزل في حقهم ما نزل في الآية من ترك البيع حالة صلاة الجمعة١.

ويتبين من كتب الحديث أن الصحابة كانوا يتعاطون التجارة، ويتكسبون في الأسواق، وقد كانوا نشطين جدًّا في ذلك، وكان أهل مكة أكثر نشاطًا من أهل المدينة في هذا الباب، فلا يكاد بعضهم يصل المدينة مهاجرًا من مكة حتى يسأل عن السوق، ويبحث عن رزق، فذهب بعضه إلى سوق بني قينقاع، وهي من أسواق يهود، فنجحوا فيها وحصلوا على ربح ومال أعالوا به أنفسهم. وقد كان في جملة ما أجاب به أبو هريرة، وقد قيل فيه: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله، وإن المهاجرين والأنصار لا يحدثون عنه بمثل حديث أبي هريرة: "إن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق الأسواق، وكنت ألزم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرءًا مسكينًا من مساكين الصفة أعي حين ينسون"٢. فالأنصار كانوا أصحاب زرع وأموال. والمهاجرون كانوا أصحاب تجارات.

وكانوا إذا التهوا في السوق وانصرفوا في التجارة ونسوا أمورهم الأخرى، قالوا ألهانا الصفق بالأسواق، يعني الخروج إلى تجارة وبيع وشراء، وقد أدى


١ سورة الجمعة، الآية ٩ وما بعدها، تفسير الطبري "٢٨/ ٦٦ وما بعدها"، تفسير النيسابوري "٢٨/ ٦٨ وما بعدها"، "حاشية على تفسير الطبري"، تفسير ابن كثير "٤/ ٣٦٦ وما بعدها"، الواحدي، أسباب النزول "٣٢٠"، مسند الإمام أبي حنيفة "٧٣ وما بعدها"، إرشاد الساري "٤/ ١٢ وما بعدها"، آثار السنن "٢/ ٨٨"، تيسير الوصول "١/ ١٨٢".
٢ صحيح البخاري "٣/ ٥٢ وما بعدها"، "كتاب البيوع"، عمدة القارئ "١١/ ١٦١ وما بعدها"، إرشاد الساري "٤/ ١٥ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>