للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انصراف بعض الصحابة إلى السوق وتعلقهم بالتجارة إلى انفضاضهم أحيانًا عن الرسول وهم حوله، فورد في الحديث: "بينما نحن نصلي مع النبي، صلى الله عليه وسلم، إذ أقبلت من الشأم عير تحمل طعامًا فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي، صلى الله عليه وسلم، إلا اثنا عشر رجلًا، فنزلت: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} ١.

وكان "العباس بن عبد المطلب" من أغنياء قريش، ومن المقرضين للمال بفضل يأخذه من المدين يضعه على رأس ماله. وقد بقي على ماله وثرائه في الإسلام كذلك. وكان الرسول قد أبطل ربا العباس في أول ما أبطل من ربا في الإسلام. وكان العباس يتاجر كذلك، له محل يتاجر فيه، ويستقبل التجار الغرباء. وقد ذكر أن "عفيف الكندي" كان في جملة من تاجر معه في الجاهلية، وقد جاء إليه ليبتاع منه بعض التجارة٢.

ولما آخى الرسول بين الأنصار والمهاجرين، آخى بين "عبد الرحمن بن عوف"، وهو من المهاجرين، وبين "سعد بن الربيع" وهو من أكثر الأنصار مالًا، فقال "سعد بن الربيع": "أقاسمك مالي نصفين وأزوجك". قال "عبد الرحمن": بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق. فدلوه على سوق قينقاع، فغدا إليه، ثم تابع الغدو، فما لبث أن جمع مالًا من تعامله بالسوق وصار من المثرين٣.

وقد كان "عبد الرحمن" تاجرًا بمكة قبل هجرته إلى يثرب، وصاحب مال. فلعل الرسول أراد من مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار، أن يساعد المهاجرون الأنصار وأن يتعاونوا معًا، كما كان شأن عبد الرحمن وسعد بن الربيع، وهما من أصحاب الخبرة والتجربة في العمل، فيفيدوا بذلك الإسلام بما يحصلون عليه من مال.

وقد ذكر أهل الأخبار، أن عبد الرحمن، تصدق على عهد رسول الله، بشطر ماله، ثم تصدق بعد بأربعين ألف دينار، ثم حمل خمسمائة فرس في سبيل


١ البخاري "٣/ ٥٥"، إرشاد الساري "٤/ ١٤ وما بعدها، ٥٥".
٢ الإصابة "٢/ ٤٨٠"، "رقم ٥٥٨٨".
٣ إرشاد الساري "٤/ ٤ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>