للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنصاب والأرض التي تحيط بها بدماء البدن١. ويظهر أن أهمية ذلك المكان الدينية كانت قد قلَّت بالتدريج؛ إذ غطت قدسية مكة عليه. ولما جاء الإسلام وأزال الأنصاب والأصنام, ذهبت كل أهمية لمحجة عكاظ, واختفت أهمية السوق معه حتى ماتت على نحو ما ذكرت.

ويتقدم سادات الناس في مثل هذه المناسبات إلى آلهتهم بإطعام الفقراء وإضافة الناس. وكان "خويلد بن فضيل بن عمرو بن كلاب" المعروف بـ"الصعق"؛ لأن صاعقة نزلت عليه فأحرقته، ممن يطعم بعكاظ, وكان من سادات قومه٢. ويترك هذا الكرم أثرًا في نفوس من يحضر السوق، ويكون سببًا للحصول على ثناء ومديح الشعراء لأولئك الكرماء.

والظاهر من روايات أهل الأخبار عن هذه الأسواق، أنها كانت كلها في الأصل مواضع مقدسة، لها أصنام تعبدها القبائل، وتأتي للتقرب إليها في مواسم معينة هي مواسم حجها، فتتحول تلك المواسم إلى أسواق للبيع والشراء. فقد ذكروا أن "بني وبرة" كانوا يفدون إلى "دومة الجندل" للتقرب إلى "ودّ"، وكان سدنته من "بني الفرافصة بن كلب"٣، وأن "بني عبد القيس" كانوا يتقربون إلى صنم لهم اسمه "ذو اللب" وكان بالمشقر، وسدنته "بنو عامر"٤.

ويجب ألا ننظر إلى هذه الأسواق نظرتنا إلى السوق بالمعنى المفهوم من اللفظة في الوقت الحاضر, فقد كانت أسواق الجاهلية أوسع مجالًا من ذلك بكثير. كانت مجامع لأهل اللسان من شعراء ومن خطباء، ومن مرموقين معروفين ومن مغمورين طلاب شهرة، قصدوا هذه الأسواق للحصول على اسم وسمعة، كما هو شأن سوق عكاظ. كما كانت مجتمعات تعقد فيها العقود والمعاهدات والاتفاقات القبلية والعائلية، ومواضع يعلن فيها عن التبني وعن الخلع، أي: خلع الأفراد،


١ البلدان "٦/ ٢٠٣"، البكري "٣/ ٩٥٩ وما بعدها".
٢ جمهرة، ابن حزم "ص٢٦٩".
٣ جمهرة أنساب العرب، لابن حزم "ص٤٥٨".
٤ جمهرة، ابن حزم "ص٤٦٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>