للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظرًا لوجود أناس كانوا يتلاعبون في نوعية الذهب والفضة، بغش المعدنينِ ومزج معادن خسيسة فيهما، فقد ظهر أناس تخصصوا بفحص الذهب والفضة وبتعيين درجتهما من حيث الجودة والنقاوة، وبتعيين سعر السبائك, وما يباع منهما وفقًا لذلك, ثم تخصص هؤلاء بدراسة النقود، وتعيين درجة نقاوتها وتثبيت وزنها؛ وذلك لوجود الغش فيها بالنسبة لذلك العهد. فإذا اشتروا نقدًا أو باعوه، أو صرفوه بنقد آخر، فحصوه فحصًا دقيقًا وتأكدوا منه قبل الشراء أو التصريف لكي لا يكون مغشوشًا, فصار هؤلاء هم صيارفة النقود، وخبراء السكة في ذلك العهد. وقد كان الصيارفة يجلسون أمام باب "الهيكل" في القدس، يبيعون ويشترون ويصرفون النقود, وقد أشير إليهم في "الأناجيل", ووبَّخهم "المسيح" وقلب موائد صيرفتهم١. وكانوا يصرفون الدنانير بالدراهم, والدراهم بنقود النحاس، والعملات الأجنبية بالعملة الرومانية الدارجة في فلسطين، تمامًا كما يفعل صيارفة هذا اليوم في بلاد الشرق الأدنى.

ويظهر من الأناجيل، أن أولئك الصيارفة كانوا يجلسون عند موائدهم التي يصرفون عليها النقود. أما كبارهم، أي: الأغنياء منهم من أصحاب المال، فقد كانوا يتعاملون بالقروض, يقرضون المال للمحتاج إليه, في مقابل دفع فوائد عنها هي الربا، وفي تشغيل أموالهم في مشاريع تعود عليهم بالأرباح٢.

وقد تاجر أهل الجاهلية في "الصرف"، وهو بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، أو أحدهما بالآخر. وقد أقر الرسول الصرف، إذا كان يدًا بيد، أي: متقابضين في المجلس، ونهى إذا كان نَساءً٣. والصيرفي، والصيرف، والصراف: صراف الدراهم ونقادها من المصارفة, وهو من التصرف على ما يذكره علماء اللغة٤. وقد جاءت لفظة "الصرف" والصيرفة في رأيي من "الصرف" أي: الفضة، فالصرف: الفضة في لغة العرب الجنوبيين. و"الصريف"٥: الفضة


١ إنجيل متى، الإصحاح ٢١، الآية ١٢.
٢ Hastings, p. ٦٣٠
٣ إرشاد الساري "٤/ ١٣".
٤ تاج العروس "٦/ ١٦٤"، "صرف".
٥ كأمير.

<<  <  ج: ص:  >  >>