للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضًا في لغة القرآن الكريم، كما يذكر ذلك علماء اللغة. قال الشاعر:

بني غدانةَ حقًّا لَسْتُم ذهبًا ... ولا صريفًا, ولكن أنتم خزف١

وذلك أنهم كانوا يتعاملون بالفضة في الغالب؛ لكثرتها بالنسبة إلى الذهب، حتى غلب اسمها على هذا التعامل, فقيل: الصرف والصيرفة والصراف، وهو الذي يتعامل بالصرف, فصارت كلمة "الصرف" التي تعني الفضة مرادفة للنقود، كما صارت لفظة "الفلوس" التي هي جمع: "فلس" أصغر عملة من العملات وهي من النحاس، مرادفة للنقود. وفي العبرانية شبه لذلك, فالنقود، أي: العملة "Money" هي "Keseph" في العبرانية، و"Keseph" الفضة، وقد استعملها العبرانيون في معنى العملة؛ لأنهم كانوا يتعاملون بها في حياتهم اليومية، فكانت مشترياتهم وأجورهم ومعاملاتهم بالفضة وبالعملة المعمولة منها، حتى صارت في معنى النقود٢.

ومن تعامل الصيارفة، شراء الدنانير بالدراهم والدراهم بالدنانير؛ بأن يساوم رجلٌ رجلًا على بيع مائة دينار بدراهم، فيتراوض الطرفان على ذلك ويتساوما حتى يتفقا على عدد ما يدفع من الدراهم٣؛ وذلك لاختلاف نوع الدراهم وأوزانها وجودة فضتها, ويكون العكس، بأن يبيع شخص دراهم في مقابل دنانير. وقد يتبايعون على بيع الذهب بالذهب، مضروبًا كان أو غير مضروب، أو بيع الفضة بالفضة. وكانون يتلاعبون في تصريف النقود, ويتحكمون في أسعار صرفها؛ لاحتكارهم الصرافة في الأسواق، ويربحون خاصة من فروق تصريف العملة الأجنبية بالعملة الرائجة في السوق.

وقد عرف الصراف بالحيلة والخداع والغش في الصرف؛ ولهذا السبب لعنوا في الأناجيل، وقلب "المسيح" موائد صيرفتهم, و"الصيرفي": المحتال المتصرف في الأمور والمجرب لها كالصيرف. قال سويد بن أبي كاهل اليشكري:

ولسانًا صيرفيًّا صارمًا ... كحسام السيف ما مس قطع٤


١ تاج العروس "٦/ ١٦٣"، "صرف"، وورد: "بني غدانة ما إن أنتم ذهبًا".
٢ Hastings, p. ٦٢٧
٣ إرشاد الساري "٤/ ٧٩".
٤ تاج العروس "٦/ ١٦٤"، "صرف".

<<  <  ج: ص:  >  >>