للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضا أن الذين كانوا يأكلون الربا من أهل الجاهلية، كان إذا حل مال أحدهم على غريمه يقول الغريم لغريم الحق: "زدني في الأجل وأزيدك في مالك"١. وذكر "أن ربا أهل الجاهلية: يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى، فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء, زاده وأخر عنه"٢. وذكر أيضًا أنهم "كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين, فيقول: لك كذا وكذا، وتؤخر عني، فيؤخر عنه"٣, أو أن يقول أحدهم لمدينه إذا حل الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي٤. وذكر أن "الربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرضه, على ما يتراضون به", و"أن ربا الجاهلية إنما كان قرضا مؤجلا بزيادة مشروطة، فكانت الزيادة بدلا من الأجل"٥.

وروي عن "ابن زيد" أنه كان يقول: إنما كان الربا في الجاهلية وفي التضعيف وفي السن, يكون للرجل فضل دين فيأتيه إذا حل الأجل، فيقول له: تقضيني أو تزيدني، فإن كان عنده شيء يقضيه قضى وإلا حوله إلى السن التي فوق ذلك. إن كانت ابنة مخاض يجعلها ابنة لبون في السنة الثانية، ثم حقة، ثم جذعة, ثم رباعيا, ثم هكذا إلى فوق. وفي العين يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن يكن عنده أضعفه أيضًا، فتكون مائة فيجعلها إلى قابل مائتين، فإن لم يكن عنده جعلها أربعمائة يضعفها له كل سنة أو يقضيه, فهذا قوله: {لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَة} ٦.

ومن أغراض الربا وأسبابه الحاجة, الحاجة إلى المال لسد دين أو عجز وللتغلب على فاقة أو ما شاكل ذلك من ضرورات، فيضطر المحتاج إلى اللجوء إلى المرابي ليستدين منه في مقابل زيادة يؤديها إليه عند حلول الأجل. وقد يأخذ المدين المال ليشتغل به فيربح منه، فيؤدي المال ورباه، ويستفيد من الربح الذي حصل عليه


١ تفسير الطبري "٣/ ٦٩".
٢ تفسير الطبري "٣/ ٦٧".
٣ تفسير الطبري "٣/ ٦٧".
٤ عمدة القارئ "١١/ ٢٠٢".
٥ أحكام القرآن، للجصاص "١/ ٤٦٥ وما بعدها".
٦ تفسير الطبري "٤/ ٥٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>