للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيع, ففيه إيجاب وقبول. ولما نزل الأمر بتحريمه عجب المرابون من التحريم، عجبوا كيف أحل البيع وحرم الربا، مع أن الاثنين في نظرهم واحد, وذلك كما يظهر من الآية: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} ١, فنظموا البيع والربا في سلك واحد، لإفضائهما إلى الربح، فاستحلوه استحلاله. وكانت شبهتهم أنهم قالوا: لو اشترى الرجل ما لا يساوي إلا درهمًا بدرهمين جاز، فكيف إذا باع درهمًا بدرهمين؟ ٢. فكان التاجر والمرابي عندهم سواء بسواء، فكلاهما يعامل المشتري أو المدين معاملة كسب ونهب، والحصول منهما على أكثر ما يمكن الحصول عليه من ربح ومكسب, والإثراء بأية طريقة كانت. ولهذا عجبوا من تحريم الإسلام للربا، وهو كسب يأتي عن إيجاب وقبول، ومن تحليله للبيع، وهو كسب أيضًا، مبني على إيجاب وقبول.

وقد اشتهر اليهود بمعاطاة "الربا"، وقد أشير إلى ذلك في القرآن الكريم٣. كما عرف به أهل مكة والطائف ونجران وسائر من كان لديه فضل من المال وأراد استغلاله؛ وذلك للظروف الاقتصادية التي كانت سائدة في ذلك العهد, من عدم وجود صناعة يشغل أصحاب المال بها أموالهم، فيكثرونها باستغلالها بإنشاء صناعات أو توسيع حرف، ومن عدم وجود مياه غزيرة وأرضين خصبة تسقي سيحًا بصورة دائمة، حتى يشغل صاحب المال ماله في استغلال الأرض؛ ولهذا عمد أصحاب المال إلى تكثير أموالهم بطريق إقراضه والاستفادة من رباه.

وكان ربا الجاهلية أن الرجل منهم كان يكون له على الرجل مال إلى أجل، فإذا حل الأجل طلبه من صاحبه، فيقول له الذي عليه المال: أَخِّرْ عني دينك وأزيدك على مالك, فيفعلان ذلك, فذلك هو الربا أضعافًا مضاعفة. وروي عن "عطاء" أنه قال: "كانت ثقيف تداين في بني المغيرة في الجاهلية, فإذا حل الأجل قالوا: نزيدكم وتؤخرون"، فكان يكون أضعافا مضاعفة٤. وروي


١ البقرة، الآية ٢٧٥.
٢ إرشاد الساري "٤/ ٢٦ وما بعدها".
٣ سورة النساء، الرقم ٤، الآية ١٦١، تفسير الطبري "٦/ ١٧ وما بعدها"، روح المعاني "٦/ ١٣".
٤ تفسير الطبري "٤/ ٥٩"، تفسير الآلوسي "٤/ ٤٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>