أي: من تمر مختلط من أنواع متفرقة وليس مرغوب فيه، وما يخلط إلا لرداءته. فلما سمع بذلك الرسول، قال:"لا تفعلوا ولكن مثلًا بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا" وكذا الميزان١.
وسبب هذا التوسع في هذا النوع من الربا، أن العرب كانوا أهل تجارة وأهل زراعة ورعي، ولم تكن العملة من دنانير ودراهم، منتشرة بين المزارعين وأهل البوادي، فكانت المقايضة تقوم عندهم مقام العملة. فمن احتاج إلى طعام، أخذ من بائعه أو مالكه أو مكتنزه كيلًا بكيل مثله لأجل معلوم, على أن يعطيه زيادة عليه، يتفق على مقدارها. فيأخذ قفيص تمر بقفيص ونصف أو قفيصين، أو أكثر من ذلك، على نحو ما اتفق عليه، يؤديه له من جنس التمر المسلف ومن جودته، فإذا حل الأجل، ورأى المستحق أن يؤخر دينه، على أن يزيد في المال فعل، وكلما أخره زاد في المال حتى يصير أضعافا مضاعفة، وذلك بسبب الحاجة والفقر. فهذا هو ربا مثل ربا الدنانير والدراهم، نشأ من الحاجة والظروف التي كان عليها أهل الجاهلية في ذلك العهد. ونجد هذا النوع من الربا عند غير العرب من الشعوب أيضًا، وهو ربا الفقراء والمحتاجين في الغالب، أما ربا الدراهم والدنانير فكان ربا التجار، ومن كان يريد تنمية ثروته وزيادة تجارته، فكان يقترض بالربا لهذه الغاية.
والربا المذكور هو الأصل، وأما ربا الدراهم والدنانير أي: ربا العملة، فمتأخر بالنسبة إليه؛ لأن الإنسان مارس التجارة قبل أن تكون لديه دراهم ودنانير، كانت تجارته مبادلة سلع بسلع، وذلك قبل ضرب العملة. فكان الربا ربا سلع ومواد عينية, يقدم المرابي طعامًا إلى تاجر آخر أو إلى محتاج، إلى أجل معين، على أن يزيده في الكمية عند حلول أجل الربا، وفقًا لما اتفق عليه، فإن أخره زاد في المال، وكلما أخره زاد في المال حتى يتضاعف أضعافًا مضاعفة، فهذه أصل الربا الأول. فلما أوجد الإنسان العملة وتعامل بها، وأقبل عليها، ظهرت تجارة جديدة أساسها التعامل بالعملة، وظهر بذلك ربا العملة، الذي غلب على الربا الأول، حتى صار وكأنه هو الربا وحده ولا ربا سواه.
ووجهة نظر المرابين إلى الربا، أنه نوع من أنواع البيوع، وأن الربا مثل
١ البخاري "٥/ ٤٧"، "كتاب البيوع، باب بيع الطعام مثلًا بمثل".